المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

66- وقد جعل الله هذه الحال التي آلوا إليها عبرة وتحذيرا لغيرهم من أن يفعلوا مثل فعلهم ، جعلها عبرة لمعاصريهم ومن يأتي بعدهم ، كما جعلناها موعظة للذين يتقون ربهم ، لأنهم هم الذين ينتفعون بنذير العظات والعبر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

اختلف أهل التأويل في تأويل الهاء والألف في قوله : فَجَعَلْناها وعلام هي عائدة ، فروي عن ابن عباس فيها قولان : أحدهما ما :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : فَجَعَلْنَاها فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة نكالاً . فالهاء والألف من قوله : فَجَعَلْناها على قول ابن عباس هذا كناية عن المسخة ، وهي «فَعْلَة » من مَسَخَهم الله مَسْخَةً . فمعنى الكلام على هذا التأويل : فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِردَةً خاسِئِينَ فصاروا قردة ممسوخين فَجَعَلْناها فجعلنا عقوبتنا ومسخنا إياهم نَكالاً لِمَا بينَ يَدَيْها وما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ . والقول الاَخر من قولي ابن عباس ما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فجَعَلْناها يعني الحيتان . والهاء والألف على هذا القول من ذكر الحيتان ، ولم يجر لها ذكر . ولكن لما كان في الخبر دلالة كني عن ذكرها ، والدلالة على ذلك قوله : ولَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ في السّبْتِ .

وقال آخرون : فجعلنا القرية التي اعتدى أهلها في السبت . فالهاء والألف في قول هؤلاء كناية عن قرية القوم الذين مسخوا .

وقال آخرون : معنى ذلك : فجعلنا القردة الذين مسخوا نكالاً لما بين يديها وما خلفها ، فجعلوا الهاء والألف كناية عن القردة .

وقال آخرون : فجَعَلْناها يعني به : فجعلنا الأمة التي اعتدت في السبت نكالاً .

القول في تأويل قوله تعالى : نَكالاً .

والنكال مصدر من قول القائل : نكل فلان بفلان تنكيلاً ونكالاً ، وأصل النكال : العقوبة ، كما قال عديّ بن زيد العبادي :

لا يَسخُطّ الضّلّيلُ ما صَنَعَ الْ ***عَبْدُ وَلا فِي نَكالِهِ تَنْكِيرُ

وبمثل الذي قلنا في ذلك رُوي الخبر عن ابن عباس :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : نَكالاً يقول : عقوبة .

حدثني المثنى ، قال : حدثني إسحاق ، قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : فجَعَلْناها نَكالاً أي عقوبة .

القول في تأويل قوله تعالى : لِمَا بينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : لِمَا بينَ يَدَيْها يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي ، وَما خَلْفَها يقول : الذين كانوا بقوا معهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : لِمَا بينَ يَدَيْهَا وَما خَلْفَها لما خلا لهم من الذنوب ، وما خلفها : أي عبرة لمن بقي من الناس . وقال آخرون بما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال : قال ابن عباس : فجَعلْناها نَكالاً لِمَا بينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها أي من القرى . وقال آخرون بما :

حدثنا به بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بينَ يَدَيْها من ذنوب القوم ، وَما خَلْفَها أي للحيتان التي أصابوا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : لِمَا بينَ يَدَيْها من ذنوبها وَما خَلْفَها من الحيتان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : لِمَا بينَ يَدَيْها ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : نَكالاً لِمَا بينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها يقول : بين يديها ما مضى من خطاياهم ، وما خلفها : خطاياهم التي هلكوا بها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله إلا أنه قال : وَما خَلْفَها خطيئتهم التي هلكوا بها . وقال آخرون بما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فجَعَلْناها نَكالاً لِمَا بينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها قال : أما ما بين يديها : فما سلف من عملهم ، وماخلفها : فمن كان بعدهم من الأمم أن يعصوا فيصنع الله بهم مثل ذلك . وقال آخرون بما :

حدثني به ابن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : فَجَعَلْناها نَكالاً لِمَا بينَ يَدَيْها ومَا خَلْفَها يعني الحيتان جعلها نكالاً لما بين يديها وما خلفها من الذنوب التي عملوا قبل الحيتان ، وما عملوا بعد الحيتان ، فذلك قوله : ما بينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها .

وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية ما رواه الضحاك عن ابن عباس وذلك لما وصفنا من أن الهاء والألف في قوله : فجَعَلْناها نَكالاً بأن تكون من ذكر العقوبة والمَسْخة التي مسخها القوم أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها ، من أجل أن الله جل ثناؤه إنما يحذّر خلقه بأسه وسطوته ، وبذلك يخوّفهم . وفي إبانته عز ذكره بقوله : نَكالاً أنه عنى به العقوبة التي أحلها بالقوم ما يعلم أنه عنى بقوله : فجَعَلْناهَا نَكالاً لِمَا بَينَ يَدَيْها وَما خَلْفَها : فجعلنا عقوبتنا التي أحللناها بهم عقوبة لما بين يديها وما خلفها ، دون غيره من المعاني . وإذا كانت الهاء والألف بأن تكون من ذكر المسخة والعقوبة أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها ، فكذلك العائد في قوله : لِمَا بينَ يَدَيها وَما خَلْفَها من الهاء والألف أن يكون من ذكر الهاء والألف اللتين في قوله : فَجَعَلْناها أولى من أن يكون من غيره .

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ، فجعلنا عقوبتنا لهم عقوبة لما بين يديها من ذنوبهم السالفة منهم مسخنا إياهم وعقوبتنا لهم ، ولما خلف عقوبتنا لهم من أمثال ذنوبهم ، أن يعمل بها عامل ، فيمسخوا مثل ما مسخوا ، وأن يحلّ بهم مثل الذي حلّ بهم تحذيرا من الله تعالى ذكره عباده أن يأتوا من معاصيه مثل الذي أتى الممسوخون فيعاقبوا عقوبتهم .

وأما الذي قال في تأويل ذلك : فجَعَلْناها يعني الحيتان عقوبة لما بين يدي الحيتان من ذنوب القوم وما بعدها من ذنوبهم ، فإنه أبْعَدَ في الانتزاع وذلك أن الحيتان لم يجر لها ذكر فيقال : فجَعَلْناها فإن ظنّ ظانّ أن ذلك جائز وإن لم يكن جرى للحيتان ذكر ، لأن العرب قد تكني عن الاسم ولم يجر له ذكر ، فإن ذلك وإن كان كذلك ، فغير جائز أن يترك المفهوم من ظاهر الكتاب والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل إلى باطن لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منقول ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض .

وأما تأويل من تأوّل ذلك : لما بين يديها من القرى وما خلفها ، فينظر إلى تأويل من تأول ذلك بما بين يدي الحيتان وما خلفها .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَوْعِظَةً .

والموعظة مصدر من قول القائل : وعظت الرجل أعظه وَعْظا وموعظة : إذا ذكّرته .

فتأويل الآية : فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها ، وتذكرة للمتقين ، ليتعظوا بها ، ويعتبروا ، ويتذكروا بها ، كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : وَمَوْعِظَةً يقول : وتذكرة وعبرة للمتقين .

القول في تأويل قوله تعالى للْمَتّقِينَ .

وأما المتقون فهم الذين اتقوا بأداء فرائضه واجتناب معاصيه كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ يقول : للمؤمنين الذين يتقون الشرك ، ويعملون بطاعتي . فجعل تعالى ذكره ما أحلّ بالذين اعتدوا في السبت من عقوبته موعظة للمتقين خاصة وعبرة للمؤمنين دون الكافرين به إلى يوم القيامة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس في قوله : وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ إلى يوم القيامة .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ : أي بعدهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما موعظة للمتقين ، فهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ قال : فكانت موعظة للمتقين خاصة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : وَمَوْعِظَةً للْمُتّقِينَ : أي لمن بعدهم .

( نص مضطرب )

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَجَعَلۡنَٰهَا نَكَٰلٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (66)

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ( 66 )

والضمير في { جعلناها } : يحتمل العود على المسخة والعقوبة ، ويحتمل على الأمة التي مسخت ، ويحتمل على القردة ، ويحتمل على القرية إذ معنى الكلام يقتضيها( {[752]} ) ، وقيل يعود على الحيتان ، وفي هذا القول بعد .

والنكال : الزجر بالعقاب ، والنكل والأنكال : قيود الحديد ، فالنكال عقاب ينكل بسببه غير المعاقب عن أن يفعل مثل ذلك الفعل( {[753]} ) ، قال السدي : ما بين يدي المسخة : ما قبلها من ذنوب القوم ، { وما خلفها } : لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب( {[754]} ) ، وهذا قول جيد ، وقال غيره : «ما بين يديها » أي من حضرها من الناجين ، { وما خلفها } أي لمن يجيء بعدها ، وقال ابن عباس : { لما بين يديها } : أي من بعدهم من الناس ليحذر ويتقي ، { وما خلفها } : لمن بقي منهم عبرة .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وما أراه يصح عن ابن عباس رضي الله عنه ، لأن دلالة ما بين اليد ليست كما في القول ، وقال ابن عباس أيضاً : { لما بين يديها وما خلفها } ، أي من القرى( {[755]} ) ، فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزمان( {[756]} ) .

{ وموعظة } مفعلة من الاتعاظ والازدجار ، { وللمتقين } معناه للذين نهوا ونجوا ، وقالت فرقة : معناه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واللفظ يعم كل متق من كل أمة .


[752]:- الظاهر رجوع الضمير إلى المسخة بمعنى العقوبة، أو إلى القرية بمعنى الأمة، إذ المراد بالقرية أهلها، وأهلها هم الأمة التي مسخت، وعود الضمير على القردة أو الحيتان بعيد.
[753]:- يقال: نكل عن الأمر (بالفتح والكسر): جبن وانصرف، وانكله: دفعه وصرفه- ونكل به: عاقبه بما يردعه ويردع غيره- والنكال العقاب أو النازلة والنكل: القيد، وضرب من اللجم، وحديد اللجم، وحديد اللجام أو الزمام- والجمع أنكال ونكول. قال تعالى: (إن لدينا أنكالا) أي قيودا. والمراد لازم القيود وهو المنع- وعلى هذا يكون المراد: جعلنا العقوبة مانعة لما بين يديها وما خلفها، والله أعلم.
[754]:- قال الفراء: جعلت السمخة نكالا لما مضى من الذنوب، ولما يعمل بعدها ليخافوا المسخ بذنوبهم، والمراذ ذنوب تقدمت وأهلها ما زالوا في الحياة إذ ذاك، فهم يخافون أن يفاجئهم المسخ بسبب ما مضى من ذنوبهم، والله أعلم.
[755]:- أي ما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى، ونحو ما قاله ابن عباس لسعيد بن جبير حيث قال: من بحضرتها من الناس يومئذ، وقد أثنى على هذا ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن وهذا ترتيب في المكان لا في الزمان.
[756]:- أي في "مكان الأجرام" لا في الزمان الماضيت ولا في الزمان الآتي، والله أعلم.