المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

39- وحذِّر - أيها الرسول - هؤلاء الظالمين يوماً يتحسرون فيه علي تفريطهم في حق الله وحق أنفسهم - وقد فرغوا من حسابهم ، ونالوا جزاءهم - وقد كانوا في الدنيا غافلين عن ذلك اليوم ، لا يصدقون بالبعث ولا بالجزاء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وأنذر يا محمد هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم ، على ما فرّطوا في جنب الله ، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له ، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار ، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم ، والحياة التي لا موت بعدها ، فيا لها حسرةً وندامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن سَلَمة بن كُهَيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله في قصة ذكرها ، قال : ما من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة ، وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة ، فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعدّه الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة ، ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن مَنّ الله عليكم .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُجاءُ بالمَوْتِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُوقَفُ بينَ الجَنّةِ والنّارِ كأنّه كَبْشٌ أمْلَحُ » قال : «فَيُقالُ : يا أهْلَ الجَنّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرِئِبّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، هَذَا المَوْتُ ، فَيُقالُ : يا أهْلَ النّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئبّونَ وَيَنْظُرُونَ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ هَذَا المَوْتُ ، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ » قال : «فَيَقُولُ : يا أهْلَ الجَنّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْت ، وَيا أهْلَ النّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْت » قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنْذِرْهِمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وأشار بيده في الدنيا .

حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ قال : «يُنادَى : يا أهْلَ الجَنّةِ ، فَيَشْرَئِبّونَ ، فَيَنْظُرونَ ، ثُمّ يُنادَى : يا أهْلَ النّارِ فَيَشْرَئِبّونَ فَيَنْظُرونَ ، فَيُقالُ : هَلْ تَعْرِفُونَ المَوْتَ ؟ قال : فَيَقُولُونَ : لا ، قال : فَيُجاءُ بالمَوْتِ في صُورَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ ، فيُقال : هَذَا المَوْتُ ، ثُمّ يُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ ، قالَ : ثُمّ يُنادِي يا أهْلَ النّار خُلُودٌ فَلا مَوْتَ ، وَيا أهْلَ الجَنّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْت » ، قال : ثم قرأ وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ قال : يصوّر الله الموت في صورة كبش أملح ، فيذبح ، قال : فييأس أهل النار من الموت ، فلا يرجونه ، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار ، وفيها أيضا الفزع الأكبر ، ويأمن أهل الجنة الموت ، فلا يخشونه ، وأمنوا الموت ، وهو الفزع الأكبر ، لأنهم يخلدون في الجنة ، قال ابن جريج : يحشر أهل النار حين يذبح الموت والفريقان ينظرون ، فذلك قوله : إذْ قُضِيَ الأمْرُ قال : ذبح الموت وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبيه أنه أخبره أنه سمع عبيد بن عمير في قصصه يقول : يؤتَى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ قال : يوم القيامة ، وقرأ أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا عَلى ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ من أسماء يوم القيامة ، عظّمه الله ، وحذّره عبادَه .

وقوله : إذْ قُضِيَ الأمْرُ يقول : إذ فُرِغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها ، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها ، بذبح الموت . وقوله : وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ يقول : وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم ، من تخليده إياهم في جهنم ، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول تعالى ذكره : وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث ، ومجازاة الله إياهم على سيىء أعمالهم ، بما أخبر أنه مجازيهم به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

{ وأنذرهم يوم الحسرة } يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه . { إذ قضي الأمر } فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ، وإذ بدل من اليوم أو ظرف ل { لحسرة } . { وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } حال متعلقة بقوله { في ضلال مبين } وما بينهما اعتراض ، أو ب { أنذرهم } أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين ، فتكون حالا متضمنة للتعليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

عقّب تحذيرهم من عذاب الآخرة والنداء على سوء ضلالهم في الدنيا بالأمر بإنذارهم استقصاء في الإعذار لهم .

والضمير عائد إلى الظالمين ، وهم المشركون من أهل مكة وغيرهم من عبدة الأصنام لقوله { وهم لا يؤمنون } وقوله { وإلينا يرجعون } [ مريم : 40 ] .

وانتصب { يوم الحسرة } على أنه مفعول خلَف عن المفعول الثاني لأنذرهم ، لأنه بمعنى أنذرهم عذاب يوم الحسرة .

والحسرة : الندامة الشديدة الداعية إلى التلهف . والمراد بيوم الحسرة يوم الحساب ، أضيف اليوم إلى الحسرة لِكثرة ما يحدث فيه من تحسر المجرمين على ما فرطوا فيه من أسباب النجاة ، فكان ذلك اليوم كأنه مما اختصت به الحسرة ، فهو يوم حسرة بالنسبة إليهم وإن كان يوم فرح بالنسبة إلى الصالحين .

واللام في الحسرة على هذا الوجه لام العهد الذهني ، ويجوز أن يكون اللام عوضاً عن المضاف إليه ، أي يوم حسرة الظالمين .

ومعنى قضى الأمر : تُمّم أمر الله بزجهم في العذاب فلا معقب له .

ويجوز أن يكون المراد بالأمر أمر الله بمجيء يوم القيامة ، أي إذ حشروا . و ( إذ ) اسم زمان ، بدل من يوم الحسرة .

وجملة وهم في غفلة حال من الأمر وهي حال سببية ، إذ التقدير : إذ قضي أمرهم .

والغفلة : الذهول عن شيء شأنُه أن يعلم .

ومعنى جملة الحال على الاحتمال الأول في معنى الأمرِ الكناية عن سرعة صدور الأمر بتعذيبهم ، أي قضي أمرهم على حين أنهم في غفلة ، أي بهت . وعلى الاحتمال الثاني تحذير من حلول يوم القيامة بهم قبل أن يؤمنوا كقوله { لا تأتيكم إلا بغتة } [ الأعراف : 187 ] ، وهذا أليق بقوله : { وهم لا يؤمنون } .

ومعنى وهم لا يؤمنون استمرار عدم إيمانهم إلى حلول قضاء الأمر يوم الحسرة . فاختيار صيغة المضارع فيه دون صيغة اسم الفاعل لما يدلّ عليه المضارع من استمرار الفعل وقتاً فوقتاً استحضاراً لذلك الاستمرار العجيب في طوله وتمكنه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر يا محمد هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم، على ما فرّطوا في جنب الله، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم، والحياة التي لا موت بعدها، فيا لها حسرةً وندامة. عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُجاءُ بالمَوْتِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُوقَفُ بينَ الجَنّةِ والنّارِ كأنّه كَبْشٌ أمْلَحُ» قال: «فَيُقالُ: يا أهْلَ الجَنّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرِئِبّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، فَيُقالُ: يا أهْلَ النّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئبّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا المَوْتُ، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ» قال: «فَيَقُولُ: يا أهْلَ الجَنّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْت، وَيا أهْلَ النّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْت» قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأنْذِرْهِمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" وأشار بيده في الدنيا...

"إذْ قُضِيَ الأمْرُ "يقول: إذ فُرِغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها بذبح الموت.

وقوله: "وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ" يقول: وهؤلاء المشركون في غفلة عما الله فاعل بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم، من تخليده إياهم في جهنم، وتوريثه مساكنهم من الجنة غيرهم.

"وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" يقول تعالى ذكره: وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث، ومجازاة الله إياهم على سيئ أعمالهم، بما أخبر أنه مجازيهم به...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأنذرهم يوم الحسرة} قال عامة أهل التأويل: الحسرة، هي أن يُصَوَّرَ الموت بصورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، فينظر إليه أهل النار وأهل الجنة، فَيَنْدَمُ أهل النار، وتكون لهم الحسرة... لكن هذا لا يعلم إلا بخير عن رسول الله. فإن ثبت شيء عنه فهو ذلك، وإلا فالحسرة لهم في أعمالهم التي عملوا في الدنيا، وهو ما قال: {كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم} [البقرة: 167] وقوله: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56] وقوله تعالى: {يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} [الأنعام: 31] ونحوه كل عمل في الدنيا يكون لهم ذلك حسرة في اّلآخرة وندامة.

{إذ قضي الأمر} أي أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار {وهم في غفلة} أي هم كانوا في غفلة من هذا وهم لا يؤمنون بالله...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

تقوم الساعةُ بغتةً، وتصادفهم القيامةُ وهم غيرُ مستعدين لها فيتحسَّرون على ما فاتهم.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(وأنذرهم يوم الحسرة) معناه: يوم الندامة، ويقال: كل الناس يندمون يوم القيامة؛ أما المسيء فيندم هلا أحسن، وأما المحسن فيندم هلا ازداد حسنا...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{قُضِي الأمر} فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار. وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه سُئلُ عنه -أي عن قضاءِ الأمرِ- فقال: « حين يُذبحُ الكبشُ والفريقان ينظران»...

{وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} متعلق بقوله في ضلال مبين عن الحسن... أي: وأنذرهم على هذه الحال غافلين غير مؤمنين...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إذ قضي الأمر} ففيه وجوه:

أحدها: إذ قضي الأمر ببيان الدلائل وشرح أمر الثواب والعقاب.

وثانيها: إذ قضى الأمر يوم الحسرة بفناء الدنيا وزوال التكليف،والأول أقرب لقوله: {وهم لا يؤمنون} فكأنه تعالى بين أنه ظهرت الحجج والبينات وهم في غفلة وهم لا يؤمنون...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان هذا الذي تقدم إنذاراً بذلك المشهد، كان التقدير: أنذر قومك ذلك المشهد وما يسمعونه فيه ويبصرونه {وأنذرهم يوم الحسرة} نفسه في ذلك المشهد العظيم، يوم تزل القدم، ولا ينفع الندم، للمسيء على إساءته، وللمحسن على عدم ازدياده من الإحسان. ولما كان {يوم} مفعولاً، لا ظرفاً، أبدل منه، أو علل الإنذار فقال: {إذ} أي حين، أو لأنه، وعبر عن المستقبل بالماضي، إيذاناً بأنه أمر حتم لا بد منه فقال: {قضي الأمر} أي أمره وفرغ منه بأيسر شأن وأهون أمر، وقطعنا أنه لا بد من كونه {وهم} حال من {أنذرهم} أي والحال أنهم الآن {في غفلة} عما قضينا أن يكون في ذلك الوقت من أمره، لا شعور لهم بشيء منه، بل يظنون أن الدهر هكذا حياة وموت بلا آخر {وهم لا يؤمنون} بأنه لا بد من كونه؛ وفي الصحيح ما يدل على أن يوم الحسرة حين يذبح الموت وأما الغفلة ففي الدنيا، روى ابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم {إذ قضي الأمر وهم في غفلة} قال في الدنيا.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

الإنذار هو: الإعلام بالمخوف على وجه الترهيب، والإخبار بصفاته، وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد، يوم الحسرة حين يقضى الأمر، فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد، ويسألون عن أعمالهم،. فمن آمن بالله، واتبع رسله، سعد سعادة لا يشقى بعدها،. ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة بعدها، وخسر نفسه وأهله،. فحينئذ يتحسر، ويندم ندامة تتقطع منها القلوب، وتنصدع منها الأفئدة، وأي: حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟!...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(وأنذرهم يوم الحسرة).. يوم تشتد الحسرات حتى لكأن اليوم محض للحسرة لا شيء فيه سواها، فهي الغالبة على جوه، البارزة فيه. أنذرهم هذا اليوم الذي لا تنفع فيه الحسرات: (إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) وكأنما ذلك اليوم موصول بعدم إيمانهم، موصول بالغفلة التي هم فيها سادرون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عقّب تحذيرهم من عذاب الآخرة والنداء على سوء ضلالهم في الدنيا بالأمر بإنذارهم استقصاء في الإعذار لهم. والضمير عائد إلى الظالمين، وهم المشركون من أهل مكة وغيرهم من عبدة الأصنام لقوله {وهم لا يؤمنون} وقوله {وإلينا يرجعون} [مريم: 40]. وانتصب {يوم الحسرة} على أنه مفعول خلَف عن المفعول الثاني لأنذرهم، لأنه بمعنى أنذرهم عذاب يوم الحسرة. والحسرة: الندامة الشديدة الداعية إلى التلهف. والمراد بيوم الحسرة يوم الحساب، أضيف اليوم إلى الحسرة لِكثرة ما يحدث فيه من تحسر المجرمين على ما فرطوا فيه من أسباب النجاة، فكان ذلك اليوم كأنه مما اختصت به الحسرة، فهو يوم حسرة بالنسبة إليهم وإن كان يوم فرح بالنسبة إلى الصالحين. واللام في الحسرة على هذا الوجه لام العهد الذهني، ويجوز أن يكون اللام عوضاً عن المضاف إليه، أي يوم حسرة الظالمين. ومعنى قضى الأمر: تُمّم أمر الله بزجهم في العذاب فلا معقب له. ويجوز أن يكون المراد بالأمر أمر الله بمجيء يوم القيامة، أي إذ حشروا. و (إذ) اسم زمان، بدل من يوم الحسرة. وجملة وهم في غفلة حال من الأمر وهي حال سببية، إذ التقدير: إذ قضي أمرهم. والغفلة: الذهول عن شيء شأنُه أن يعلم. ومعنى جملة الحال على الاحتمال الأول في معنى الأمرِ الكناية عن سرعة صدور الأمر بتعذيبهم، أي قضي أمرهم على حين أنهم في غفلة، أي بهت. وعلى الاحتمال الثاني تحذير من حلول يوم القيامة بهم قبل أن يؤمنوا كقوله {لا تأتيكم إلا بغتة} [الأعراف: 187]، وهذا أليق بقوله: {وهم لا يؤمنون}. ومعنى وهم لا يؤمنون استمرار عدم إيمانهم إلى حلول قضاء الأمر يوم الحسرة. فاختيار صيغة المضارع فيه دون صيغة اسم الفاعل لما يدلّ عليه المضارع من استمرار الفعل وقتاً فوقتاً استحضاراً لذلك الاستمرار العجيب في طوله وتمكنه.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وإن الله تعالى أمر نبيه الأمين أن ينذرهم بهذا اليوم المشهود، ولأنه يوم الحسرة عليهم، ولذا قال تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون}. {وأنذرهم يوم الحسرة}، أي أنذرهم بهذا اليوم الذي يكون حسرة {إذ قضي الأمر}، إذ تبين أمر الله تعالى قضاه، بأن قدره وجوده ونفذه، و {إذ} ظرف متعلق بالحسرة، أي أنه الحسرة لأنه قضي الأمر وجاء التنفيذ. والحسرة، لأنهم فرطوا في أمورهم ويقولون يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله، والحسرة، لأنهم رأوا العذاب وعاينوه، والحسرة لأنهم أنكروه، وهم اليوم قد عاينوه، والحسرة لأنهم خسروا أنفسهم وكذبوا بلقاء الله. وقد وصفهم الله تعالى بوصفين أحدهما ذريعة الآخر: الوصف الأول: أنهم في غفلة فقال تعالى: {وهم في غفلة} الجملة حالية أي والحال أنهم في هذه الدنيا في غفلة، والتعبير بقوله: {وفي غفلة} يفيد أنهم قد استغرقتهم الغفلة واستولت عليهم وحاطتهم كأنها ظرف لهم قد استقروا فيه، والغفلة قد جاءتهم من غرور بالحياة الدنيا، ومن استيلاء الأهواء على نفوسهم، فصاروا لا يصدرون إلا عنها، وجاءتهم من سيطرة الأوهام عليهم، وجاءتهم من أنه لا مرشد ولا هادي، وليس فيهم أمر بمعروف أو نهى عن منكر. والوصف الثاني: أنهم {لا يؤمنون} وعبر الله سبحانه عن ذلك بقوله تعالى: {لا يؤمنون} وهذه الجملة حالية كأختها، والحال أنهم لا يؤمنون، وكان النفي نفيا للمضارع للإشارة على استمرارهم على الإيمان وهو نتيجة للغفلة التي أحاطتهم وسكنوها، لأن الإيمان بصر الحقائق وإدراك لها.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الإنذار: هو التحذير من شر قادم. والحسرة: هي الندم البالغ الذي يصيب النفس الإنسانية حينما يفوتها خير لا يمكن تداركه، وحينما تلقي شيئاً لا تستطيع دفعه. أما الندم فيكون حزناً على خير فاتك، لكن يمكن تداركه، كالتلميذ الذي يخفق في امتحان شهر من الشهور فيندم، لكنه يمكنه تدارك هذا الإخفاق في الشهر التالي، أما إذا أخفق في امتحان آخر العام فإنه يندم ندماً شديداً، ويتحسر على عام فات لا يمكن تدارك الخسارة فيه...

{إذ قضى الأمر} أي: وقع وحدث، ولا يمكن تلافيه، ولم يعد هناك مجال لتدارك ما فات؛ لأن الذي قضى هذا الأمر وحكم به هو الله تبارك وتعالى الذي لا يملك أحد رد أمره أو تأخيره عن موعده أو مناقشته فيه، فسبحانه، الأمر أمره، والقضاء قضاؤه، ولا إله إلا هو...

الغفلة: أن يصرف الإنسان ذهنه عن الفكر في شيء واضح الدليل على صحته؛ لأن الحق تبارك وتعالى ما كان ليعذب خلقه إلا وقد أظهر لهم الأدلة التي يستقبلها العقل الطبيعي فيؤمن بها. فالذي لا يؤمن إذن إما غافل عن هذه الأدلة أو متغافل عنها أو جاحد لها، كما قال سبحانه: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} (سورة النمل 14). ومن الغفلة غفلتهم عن الموت، وقد قالوا: من مات قامت قيامته. ومن حكمة الله أن أبهم الموت، أبهمه وقتاً، وأبهمه سبباً، وأبهمه مكاناً، فكان إبهام الموت هو عين البيان للموت؛ لأن إبهامه يجعل الإنسان على استعداد للقائه في أي وقت، وبأي سبب، وفي أي مكان، فالموت يأتي غفلة؛ لأنه لا يتوقف على وقت أو سبب أو مكان. فالطفل يموت وهو في بطن أمه، ويموت بعد يوم، أو أيام من ولادته، ويموت بعد مائة عام، ويموت بسبب وبدون سبب، وقد نتعجب من موت أحدنا فجأة دون سبب ظاهر، فلم تصدمه سيارة، ولم يقع عليه جدار أو حجر، ولم يداهمه مرض، فما السبب؟ السبب هو الموت، إنه سيموت، أي أنه مات لأنه يموت، كما يقال: والموت من دون أسباب هو السبب...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} وعرفهم أهوال يوم القيامة وأوضاعه وطبيعته، وكيف يمكنهم أن يتفادوا نتائجه المذلة المرعبة، بتصحيح مواقفهم، وتحسين أعمالهم في الدنيا، لأنهم إذا لم يأخذوا بالتوبة، وينطلقوا في الاتجاه الصحيح، فسيواجهون الحسرة كل الحسرة والندامة، كل الندامة {إِذْ قُضِيَ الأمر} وانتهى وقت العمل، وأبرم الحكم، {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} عن الالتفات إلى طبيعة المصير الذي ينتظرهم بسبب الضلال، {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} بالله الواحد المنزّه عن الشريك وعن الولد. وهكذا، سوف يقفون في موقف الحسرة لأنهم لم يأخذوا بأسباب الهدى والإيمان. وماذا بعد ذلك؟ ومن الذي يأملون أن ينقذهم من عذاب يوم القيامة؟ ومن هو الذي سيبقى لهم من كل هؤلاء الذين يشركونهم بعبادة الله فيطيعونهم ويعصون الله؟ سيموت الجميع، ولن يبقى إلا وجهه، فهو ولي الأمر كله، وهو ولي الحساب كله.