التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

وقوله - سبحانه - { الله الصمد } أي : الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم ، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب . . مأخوذ من قولهم : صمد فلان إلى فلان . بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة .

قال صاحب الكشاف : والصمد فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج ، والمعنى : هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها ، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق ، لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم . .

وجاء لفظ " الصمد " محلى بأل ، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر ، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج ، أعم من القصد الإِرادى ، والقصد الطبيعى ، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى ، الثابت لجميع المخلوقات ؛ إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

و{ الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويستقل بها ، وأنشدوا : [ الطويل ]

ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد{[4]}

وبهذا تفسر هذه الآية ؛ لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات ، وإليه تصمد ، وبه قوامها ، ولا َغِنَّي بنفسه إلا هو تبارك وتعالى . وقال كثير من المفسرين : { الصمد } الذي لا جوف له ، كأنه بمعنى المصمت ، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب ، وفي هذا التفسير كله نظر ؛ لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى . فما الذي تعطينا هذه العبارات ، و { الله الصمد } ابتداء وخبر ، وقيل : { الصمد } نعت ، والخبر فيما بعد .


[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ} (2)

جملة ثانية محكية بالقول المحكية به جملة : { اللَّه أحد } ، فهي خبر ثان عن الضمير . والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله ، وإنما فصلت عن التي قبلها لأن هذه الجملة مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غيرَ ملحقة بالتي قبلها بالعطف ، على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول : الحوزُ شرط صحة الحُبس ، الحوز لا يتم إلا بالمعانية ، ونحو قولك : عنترة من فحول الشعراء ، عنترة من أبطال الفرسان .

ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله : { اللَّه الصمد } وكان مقتضى الظاهر أن يقال : هو الصمد .

و { الصَمد } : السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات ، وهو سيد القوم المطاع فيهم .

قال في « الكشاف » : وهو فَعَل بمعنى مفعول من : صَمَد إليه ، إذا قصده ، فالصمد المصمود في الحوائج . قلت : ونظيره السَّند الذي تُسند إليه الأمور المهمة . والفَلَق اسم الصباح لأنه يتفلق عنه الليل .

و{ الصمد } : من صفات الله ، والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم .

فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي . ومعناه : المفتقر إليه كلُّ ما عداه ، فالمعدوم مفتقر وجودُه إليه والموجود مفتقر في شؤونه إليه .

وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد ، وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع ، وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولاً . ويشمل هذا الاسمُ صفاتِ الله المعنويةَ الإِضافية وهي كونه تعالى حيّاً ، عالماً ، مريداً ، قادراً ، متكلماً ، سميعاً ، بصيراً ، لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصموداً إليه .

وصيغة { اللَّه الصمد } صيغة قصر بسبب تعريف المسند فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى ، وهو قصر قلب لإِبطال ما تعوّده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نَسُوا الله . قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله : « لقد علمتُ أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئاً " .