المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

22- فساقهما إلى الأكل من الشجرة بهذه الخدعة ، فلما ذاقا طعمها وانكشفت لهما عوراتهما ، جعلا يجمعان بعض أوراق الشجر ليسترا بها عوراتهما وعاتبهما ربهما ، ونبههما إلى خطئهما قائلاً : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأخبركما أن الشيطان لكما عدو مبين لا يريد لكما الخير ؟

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

ثم حكى القرآن كيف نجح إبليس في خداع آدم وحواء فقال : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } . أى : فأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية ، وأطمعهما في غير مطمع بسبب ما غرهما به من القسم .

ودلاهما مأخوذ من التدلي ، وأصله أن الرجل العطشان يدلى في البئر بدلون ليشرب من مائها ، فإذا ما أخرج الدلو لم يجد به ماء ، فيكون مدليا فيها بغرور . والغرور إظهار النصح مع إضمار الغش ، وأصله من غررت فلانا أى أصبت غرته وغفلته ونلت منه ما أريد .

ثم بين القرآن الآثار التي ترتبت على هذه الخديعة من إبليس لهما فقال : { فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة } .

أى : فلما خالفا أمر الله - تعالى - بأن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها ، أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية ، فتساقط عنهما لباسهما ، وظهرت لهما عوراتهما .

وشرعا يلزقان من ورق الجنة ورقة فوق أخرى على عوراتهما لسترها .

ويخصفان : مأخوذ من الخصف ، وهو خرز طاقات النعل ونحوه بإلصاق بعضها ببعض ، وفعله من باب ضرب .

قال بعض العلماء : " ولعل المعنى - والله أعلم - أنهما لما ذاقا الشجرة وقد نهيا عن الأكل منها ظهر لهما أنهما قد زلا ، وخلعا ثوب الطاعة ، وبدت منهما سوأة المعصية ، فاستحوذ عليهما الخوف والحياء من ربهما ، فأخذا يفعلان ما يفعل الخائف الخجل عادة من الاستتار والاستخافء حتى لا يرى ، وذلك بخصف أوراق الجنة عليهما ليستترا بها ، وما لهما إذ ذاك حيلة سوى ذلك . فلما سمعا النداء الربانى بتقريعهما ولومهما ألهما أن يتوبا إلى الله ويستغفرا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإلهية ، فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم ، وقال لهما فقط أولهما ولذرتيهما ، أو لهما ولإبليس : اهبطوا من الجنة إلى الأرض ، لينفذ ما أراد الله من استخلاف آدم وذريته في الأرض ، وعمارة الدنيا بهم إلى الأجل المسمى . ومنازعة عدوهم لهم فيها ، { إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } ثم بين القرآن ما قاله الله - تعالى - لهما بعد أن خالفا أمره . فقال : { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ } بطريق العتاب والتوبيخ { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة } . أى عن الأكل منها { وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } أى : ظاهر العداوة لا يفتر عن إيذائكما وإيقاع الشر بكما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

{ فدلاهما بغرور } يريد فغرهما بقوله وخدعهما بمكره .

قال القاضي أبو محمد : ويشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد أرم أو بسبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به فهلك ، فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلى في هوة بسبب ضعيف ، وعلق حكم العقوبة بالذوق إذ هو أول الأكل وبه يرتكب النهي ، وفي آية أخرى { فأكلا منها } .

وقوله تعالى :{ بدت } قيل تخرقت عنهما ثياب الجنة وملابسها وتطايرت تبرياً منهما ، وقال وهب بن منبه كان عليهما نور يستر عورة كل واحد منهما فانقشع بالمعصية ذلك النور ، وقال ابن عباس وقتادة : كان عليهما ظفر كاسٍ فلما عصيا تقلص عنهما فبدت سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المعصية فيجددان الندم ، { وطفقا } معناه أخذا وجعلا وهو فعل لا يختص بوقت كبات وظل .

و { يخصفان } معناه يلصقانها ويضمان بعضها إلى بعض ، والمخصف الإشفى ، وضم الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة ، وقرأ جمهور الناس «يَخصفان » من خصف وقرأ عبد الله بن بريدة «يخصّفان » من خصف بشد الصاد وقرأ الزهري «يُخصفان » من أخصف ، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب : «يَخَصِّفان » بفتح الياء والخاء وكسر الصاد وشدها ، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب ، وأصلها يختصفان كما تقول سمعت الحديث واستمعته فأدغمت التاء في الصاد ونقلت حركتها إلى الخاء ، وكذلك الأصل في القراءة بكسر الخاء بعد هذه ، لكن لما سكنت التاء وأدغمت في الصاد اجتمع ساكنان فكسرت الخاء على عرف التقاء ساكنين ، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد «يَخِصِّفان » بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد وشدها وقد تقدم تعليلها ، قال ابن عباس : إن الورق الذي خصف منه ورق التين ، وروى أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه نخلة سموق ، فلما واقع المعصية وبدت له حاله فرّ على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه يقال إنها الزيتونة فقال لها : أرسليني فقالت ما أنا بمرسلتك ، فناداه ربه أمني تفر يا آدم ؟ قال لا يا رب ، ولكن أستحييك ، قال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك ؟ قال بلى يا رب ، ولكن وعزتك ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً ، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّاً .

قوله تعالى :

{ وناداهما } الآية ، قال الجمهور إن هذا النداء نداء وحي بواسطة ، ويؤيد ذلك أنّا نتلقى من الشرع أن موسى عليه السلام هو الذي خصص بين العالم بالكلام ، وأيضاً ففي حديث الشفاعة أن بني آدم المؤمنين ، يقولون لموسى يوم القيامة أنت خصك الله بكلامه واصطفاك برسالته اذهب فاشفع للناس ، وهذا ظاهره أنه مخصص ، وقالت فرقة بل هو نداء تكليم .

قال القاضي أبو محمد : وحجة هذا المذهب أنه وقع في أول ورقة من تاريخ ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال نبي مكلم ، وأيضاً فإن موسى خصص بين البشر الساكنين في الأرض وأما آدم إذ كان في الجنة فكان في غير رتبة سكان الأرض ، فليس في تكليمه ما يفسد تخصيص موسى عليه السلام ، ويؤيد أنه نداء وحي اشتراك حواء فيه ، ولم يرو قط أن الله عز وجل كلم حواء ، ويتأول قوله عليه السلام «نبي مكلَّم » أنه بمعنى موصل إليه كلام الله تعالى ، وقوله عز وجل { الم أنهكما } سؤال تقرير يتضمن التوبيخ ، وقوله { تلكما } يؤيد بحسب ظاهر اللفظ أنه إنما أشار إلى شخص شجرة ، { وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } إشارة إلى الآية التي في سورة طه في قوله { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يجعل النسيان على بابه ، وقرأ أبيّ بن كعب «ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما » .