الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

قوله عز وجل : { فدلاهما بِغُرُورٍ }[ الأعراف :22 ] .

قال ( ع ) : يشبه عندي أن تكون هذه اسْتعَارَةً من الرَّجُلِ يدلي آخر من هُوَّةٍ بحبل قد أَرمَ أو سَبَبٍ ضعيف يغترُّ به ، فإذا تَدَلَّى به ، وتوركَ عليه ، انقطع به ، وهلك ، فيشبه الذي يغرُّ بالكلام حتى يصدقه ، فيقع في مصيبة ، بالذي يُدْلي من هوة بِسَبَبٍ ضعيف .

وقوله سبحانه : { بَدَتْ }[ الأعراف :22 ] قيل : تمزقت عنهما ثياب الجنة وملابسها ، وَتَطَايَرَتْ تَبرِّياً منهما ، و { يَخْصِفَانِ } معناه : يلصقانها ، والمخصف الأشفى ، وضم الورق بعضه إِلَى بَعْضٍ أشبه بالخَرَزِ منه بالخياطة .

قال البخاري : يَخْصِفَانِ يؤلفان الوَرَقَ بعضه إلى بعض ، انتهى . وهو معنى ما تقدم .

وروى أبيٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن " آدم عليه السلام كان يَمْشي في الجنة كأنه النخلة السَّحُوقُ ، فلما أَكَلَ من الشجرة وَبَدَتْ له حاله فَرَّ على وَجْهِهِ ، فأخذت شجرة بِشَعَرِ رَأْسِهِ ، فقال لها : «أرسليني » فقالت : ما أنا بمرسلتك ، فناداه ربه جَلَّ وَعَلاَ أَمِنِّي تفرُّ يا آدم ؟ فقال : لا يَا رَبّ ، ولكن أَسْتَحْيِيكَ ، فقال : أما كان لك فيما مَنَحْتُكَ من الجنة مندوحة عما حرمت عليك ؟ قال : بلى يا رب ، ولكن وَعِزَّتَكَ مَا ظَنَنْتُ أن أحداً يَحْلِفُ بك كَاذِباً ، قال : فبعزَّتي لأهبطنك إِلى الأَرْضِ ، ثم لا تنال العَيْشَ إلا كدًّا " .

وقوله : { عَن تِلْكُمَا } يريد بِحَسَبِ اللفظ أنه إنما أشار إلى شَجَرَةٍ مخصوصة ، { وَأَقُل لَّكُما إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } إشارة إلى الآية التي في «طه » في قوله : { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى } [ طه : 117 ] وهذا هو العَهْد الذي نَسِيَهُ آدم على مَذْهَبِ من جعل النسيان على بابه .