الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

{ فدلاهما } فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة { بِغُرُورٍ } بما غرّهما به من القسم بالله . وعن قتادة : وإنما يخدع المؤمن بالله . وعن ابن عمر رضي الله عنه : أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه ، فكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق ، فقيل له : إنهم يخدعونك ، فقال : من خدعنا بالله انخدعنا له { فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة } وجدا طعمها آخذين في الأكل منها . وقيل : الشجرة هي السنبلة . وقيل : شجرة الكرم { بَدَتْ لَهُمَا سوءاتهما } أي تهافت عنهما اللباس فظهرت لهما عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ، ولا أحدهما من الآخر . وعن عائشة رضي الله عنها : ما رأيت منه ولا رأى مني . وعن سعيد بن جبير : كان لباسهما من جنس الأظفار . وعن وهب : كان لباسهما نوراً يحول بينهما وبين النظر . ويقال : طفق يفعل كذا ، بمعنى جعل يفعل كذا . وقرأ أبو السَّمَّال : «وطفقا » بالفتح { يَخْصِفَانِ } ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها ، كما يخصف النعل ، بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور .

وقرأ الحسن : «يخصفان » بكسر الخاء وتشديد الصاد ، وأصله يختصفان . وقرأ الزهري : «يُخصفان » ، من أخصف ، وهو منقول من خصف أي يخصفان أنفسهما وقرىء : «يخصفان » من خصف بالتشديد { مِن وَرَقِ الجنة } قيل : كان ورق التين { أَلَمْ أَنْهَكُمَا } عتاب من الله تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ ، حيث لم يتحذرا ما حذرهما الله من عداوة إبليس وروي : أنه قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ؟ فقال : بلى وعزتك ، ولكن ما ظننت أنّ أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً . قال : فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلاّ كدّاً . فأهبط وعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز .