41- وإن أمارات العذاب والهزيمة قائمة ، ألم ينظروا إلي أنّا نأتي الأرض التي قد استولوا عليها ، يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء ؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم ، والله - وحده - هو الذي يحكم بالنصر أو الهزيمة ، والثواب أو العقاب ، ولا راد لحكمه ، وحسابه سريع في وقته ، فلا يحتاج الفصل إلي وقت طويل ، لأن عنده علم كل شيء ، فالبينات قائمة{[104]} .
ثم وبخ - سبحانه - المشركين لعدم تفكرهم وتدبرهم واتعاظهم بآثار من قبلهم ، فقال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا . . . }
والهمزة للاستفهام الإِنكارى ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام .
والخطاب لمشركى مكة ومن كان على شاكلتهم في الكفر والضلال .
والمراد بالأرض هنا : أرض الكفرة والظالمين .
والأطراف جمع طرف وهو جانب الشئ .
والمعنى : أعمى هؤلاء الكافرين عن التفكير والاعتبار ، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة ، قد أتت على الأمم القوية الغنية - حين كفرت بنعمه - سبحانه - ، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا ، وعزها ذلا ، وأمنها خوفا . . وحصرتها في رقعة ضيقة من الأرض ، بعد أن كانت تملك الأراضى الفسيحة ، والأماكن المترامية الأطراف .
فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون } قال الآلوسى ما ملخصه : " وروى عن ابن عباس أن المراد بانتقاص الأرض : موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها . وعليه يكون المراد بالأرض جنسها وبالأطراف الأشراف والعلماء ، وشاهده قول الفرزدق :
واسأل بنا وبكم ، إذا وردت منى *** أطراف كل قبيلة ، من يتبع ؟
وتقرير الآية عليه : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة ، وموتا بعد حياة ، وذلا بعد عز . . فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله - تعالى - الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة . .
والأول - وهو أن يكون المراد بالأرض : أرض الكفر ، وبالأطراف الجوانب - أوفق بالمقام ، ولا يخفى ما في التعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة ، وجملة " ننقصها " في موضع الحال من فاعل نأتى . . " .
وقوله - سبحانه - : { والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } بيان لعلو شأن حكمه - تعالى - ونفاذ أمره .
والمعقب : هو الذي يتعقب فعل غيره ، أو قوله فيبطله أو يصححه .
أى : والله - تعالى - يحكم ما يشاء أن يحكم به في خلقه ، لاراد لحكمه ، ولا دافع لقضائه ، ولا يتعقب أحد ما حكم به بتغيير أو تبديل ، وقد حكم - سبحانه - بعزة الإِسلام ، وعلو شأنه وشأن أتباعه على سائر الأمم والأديان . .
وقوله { وَهُوَ سَرِيعُ الحساب } أى : وهو - سبحانه - سريع المحاسبة والمجازاة ، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه غيره من الإِحصاء والعد ، إذ هو - سبحانه - محيط بكل شئ ، فلا تستبطئ . عقابهم - أيها الرسول الكريم - فإن ما وعدناك به واقع لا محالة .
{ أوَلم يروا أنا نأتي الأرض } أرض الكفرة . { ننقصها من أطرافها } بما نفتحه على المسلمين منها . { والله يحكم لا معقّب لحكمه } لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال ، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء ، والمعنى أنه حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره ، ومحل { لا } مع المنفي النصب على الحال أي يحكم نافذا حكمه . { وهو سريع الحساب } فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والاجلاء في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.