المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

9- إنهم يخدعون المؤمنين بما يصنعون ، ويظنون أنهم يخادعون الله ، إذ يتوهمون أنه غير مطلع على خفاياهم ، مع أنه يعلم السر والنجوى ، وهم في الواقع يخدعون أنفسهم لأن ضرر عملهم لاحق بهم ، عاجلاً وآجلاً ، ولأن من يخدع غيره ويحسبه جاهلاً - وهو ليس كذلك - إنما يخدع نفسه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

ثم بين - سبحانه - الدوافع التي دفعتهم إلى أن يقولوا { آمَنَّا بالله وباليوم الآخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } فقال : { يُخَادِعُونَ الله والذين آمَنُوا } .

والخدع في أصل اللغة : الإِخفاء والإِبهام ، يقال خدعه - كمنعه - خدعا ، ختله وأراد به مكروها من حيث لا يعلم ؛ وأصله من خدع الضب حارسه إذ أظهر الإِقبال عليه ثم خرج من باب آخر . وخداعهم لله - تعالى - معناه إظهارهم الإِيمان وإبطانهم الكفر ليحقنوا دماءهم وأموالهم ، ويفوزوا بسهم من الغنائم ، وسمى فعلهم هذا خداعاً لله - تعالى - لأن صورته صورة الخداع ، فالجملة الكريمة مسوقة على أسلوب المشاكلة ، ولا يجوز حملها على الحقيقة ، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه صنع المنافقين ؛ بل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . قال - تعالى - { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ }

أما خداعهم للمؤمنين فمن مظاهره إظهارهم لهم أنهم إخوانهم في العقيدة وأنهم لا يريدون لهم إلا الخير . بينما هم في الحقيقة يضمرون لهم إلا الخير . بينما هم في الحقيقة يضمرون لهم العداوة ويتربصون بهم الدوائر .

وجاءت الآية الكريمة هكذا بدون عطف ، لأنها جواب سؤال نشأ من الآية السابقة ، إذ أن قول المنافقين " آمنا " وما هم بمؤمنين ، يثير في نفس السامعين استفهاما عما يدعو هؤلاء لمثل تلك الحالة المضطربة والحياة القلقة المقامة على الكذب ، فكان الجواب : إنهم يفعلون ذلك محاولين مخادعة المؤمنين ، جهلا منهم بصفات خالقهم .

وقال القرآن : { يُخَادِعُونَ الله والذين آمَنُوا } . ولم يذكر مخادعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولعل الحكمة في ذلك أن القرآن يعتبر مخادعة لرسوله ، لأنه هو الذي بعثه إليهم ، وهو المبلغ عن الله أحكامه وشرائعه . قال - تعالى - : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وقال - تعالى { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } ثم بين - سبحانه - غفلتهم وغباءهم فقال : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } .

الأنفس : جمع نفس بمعنى ذات الشيء وحقيقته . وتطلق على الجوهر اللطيف الذي يكون به الحس والحركة والإدراك .

ويشعرون : مضارع شعر بالشيء - كنصر وكرم - يقال : شعر بالشيء أي : فطن له ، ومنه الشاعر لفطنته ، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره من غريب المعاني ودقائقها .

والشعور : العلم الحاصل بالحواس ، ومنه مشاعر الإنسان أي : حواسه . والمعنى : أن هؤلاء المنافقين لم يخادعوا الله لعلمه بما يسرون ، ولم يخادعوا المؤمنين لأن الله يدفع عنهم ضرر خداع المنافقين ، وإنما يخدعون أنفسهم لأن ضرر المخادعة عائد عليهم ولكنهم لا يشعرون بذلك . لأن ظلام الغي خالط قلوبهم ، فجعلهم عديمي الشعور ، فاقدى الحس .

وأتى بجملة " وما يخدعون إلا أنفسهم " بأسلوب القصر مع أن خداعهم للمؤمنين قد ينالهم بسببه ضرر ، لأن أولئك المنافقين سيصيبهم عذاب شديد بسبب ذلك ، أما المؤمنون فحتى لو نالهم ضرر فلهم عند الله ثوابه . ونفى عنهم الشعور مع سلامة مشاعرهم ، لأنهم لم ينتفعوا من نعمتها ، ولم يستعملوها فيما خلقت له ، فكانوا كالفاقدين لها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

{ يخادعون الله والذين آمنوا } الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزله عما هو فيه ، وعما هو بصدده من قولهم : خدع الضب . إذ توارى في جحره ، وضب خادع وخدع إذا أوهم الحارس إقباله عليه ، ثم خرج من باب آخر وأصله الإخفاء ومنه المخدع للخزانة ، والأخدعان لعرقين خفيين في العنق ، والمخادعة تكون بين اثنين .

وخداعهم مع الله ليس على ظاهره لأنه لا تخفى عليه خافية ، ولأنهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف ، أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } . وإما أن صورة صنيعهم مع الله تعالى من إظهار الإيمان واستبطان الكفر ، وصنع الله معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم ، وهم عنده أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار ، استدراجا وامتثال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم ، وإجراء حكم الإسلام عليهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين . ويحتمل أن يراد ب{ يخادعون } يخدعون لأنه بيان ليقول ، أو مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المخادعين . ويحتمل أن يراد ب{ يخادعون } يخدعون لأنه بيان ليقول ، أو استئناف بذكر ما هو الغرض منه ، إلا أنه أخرج في زنة فاعل للمبالغة ، فإن الزنة لما كانت للمبالغة والفعل متى غولب فيه ، كان أبلغ منه إذا جاء بلا مقابلة معارض ومبار استصحبت ذلك ، ويعضده قراءة من قرأ { يخدعون } . وكان غرضهم في ذلك أن يدفعوا عن أنفسهم ما يطرق به من سواهم من الكفرة ، وأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين من الإكرام والإعطاء ، وأن يختلطوا بالمسلمين فيطلعوا على أسرارهم ويذيعوها إلى منابذيهم إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد .

{ وما يخادعون إلا أنفسهم } قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو . والمعنى : أن دائرة الخداع راجعة إليهم وضررها يحيق بهم . أو أنهم في ذلك خدعوا أنفسهم لما غروها بذلك . وخدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الفارغة وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية .

وقرأ الباقون { وما يتخدعون } ، لأن المخادعة لا تتصور إلا بين اثنين وقرئ { يخدعون } من خدع و{ يخدعون } بمعنى يختدعون و{ يخدعون } و{ يخادعون } على البناء للمفعول ، ونصب أنفسهم بنزع الخافض ، والنفس ذات الشيء وحقيقته ، ثم قيل للروح لأن نفس الحي به ، وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقة ، وللدم لأن قوامها به ، وللماء لفرط حاجتها إليه ، وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه لأنه ينبعث عنها أو يشبه ذاتا تأمره وتشير عليه . والمراد بالأنفس ههنا ذواتهم ويحتمل حملها على أرواحهم وآرائهم .

{ وما يشعرون } لا يحسون لذلك لتمادي غفلتهم . جعل لحوق وبال الخداع ورجوع ضرره إليهم في الظهور كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على مؤوف الحواس . والشعور : الإحساس ، ومشاعر الإنسان حواسه ، وأصله الشعر ومنه الشعار .