فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

{ يخادعون الله } أي يخالفونه ، { والذين آمنوا } والخداع في أصل اللغة الفساد حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي وقيل أصله الإخفاء حكاه ابن فارس وغيره والمراد أنهم صنعوا صنع الخادعين وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يخدع ، وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل والمراد بالمخادعة من الله أنه لما أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنهم ليسوا منه في شيء فكأنه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر مشاكلة لما وقع منهم بما وقع منه ، والمراد بمخادعة المؤمنين لهم هو أنهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به من أحكام الإسلام ظاهرا ، وإن كانوا فساد بواطنهم كما أن المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر ، وقد يكون الخداع حسنا إذا كان الغرض منه استدراج الغير من الضلال إلى الرشد ومن ذلك استدراجات التنزيل على لسان الرسل في دعوة الأمم ، قال الطيبي ، والآية من قبيل الإستعارة التمثيلية حيث شبه حالهم في معاملتهم لله بحال المخادع مع صاحبه من حيث القبح أو من باب المجاز العقلي في النسبة الإيقاعية ، وأصل التركيب يخادعون رسول الله أو من باب التورية حيث ذكر معاملتهم لله بلفظ الخداع .

والمراد بقوله { وما يخدعون إلا أنفسهم } الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم ، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن ، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك ، والمراد أنهم يمنونها الأماني الباطلة ، وهي كذلك تمنيهم ، والنفس ذات الشيء وحقيقته ، ثم قيل للقلب والروح والدم والماء نفس ، والمراد بالأنفس هنا ذواتهم أو قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم { وما يشعرون } أي لا يعلمون أن وبال خداعهم راجع عليهم .

قال أهل اللغة : شعرت بالشيء فطنت ، قال في الكشاف الشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الإنسان حواسه ، وقيل الشعور إدراك الشيء من وجه يدق ويخفى من الشعر لدقته ، والأول أولى ، قال ابن عباس إنهم المنافقون من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم عن ابن سيرين قال لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية .