/ { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9 } .
قال القاشانيّ : المخادعة استعمال الخدع من الجانبين ، وهو إظهار الخير ، واستبطان الشر . ومخادعة الله مخادعة رسوله ، لقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } {[471]} . فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة ، واستبطان الكفر والعداوة . وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليه . بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك . وادخار العذاب الأليم ، والمآل الوخيم ، وسوء المغبّة لهم ، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم . لكن الفرق بين الخداعين : أن خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم . بإهلاكها ، وتحسيرها ، وإيراثها الوبال والنكال بازدياد الظلمة ، والكفر ، والنفاق ، واجتماع أسباب الهلكة ، والبعد والشقاء ، عليها وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ، ويوبقهم أشد إيباق ، كقوله تعالى : { ومكروا * ومكر الله والله خير الماكرين } {[472]} وهم من غاية تعمّقهم في جهلهم لا يحسون بذلك الأمر الظاهر .
وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو { وما يخادعون } بالألف .
قال ابن كثير : نبه الله سبحانه على صفات المنافقين ، لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر وهذا من المحذورات : أن يُظَنَّ بأهل الفجور خير . ثم إن قول من قال : كان عليه / الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان{[473]} في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين همّوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء عند عقبة هناك ، عزموا على أن ينفِّروا به الناقة ، ليسقط عنها ، فأوحى الله إليه أمرهم ، فأطلع على ذلك حذيفة .
فأما غير هؤلاء ، فقد قال الله تعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة * مردوا على النفاق لا تعلمهم } {[474]} الآية . وقال تعالى : { لئن لم ينته المنافقون * والذين في قلوبهم مرض * والمرجفون في المدينة * لنغرينك بهم * ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا } ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم ، وإنما كان تذكر له صفاتهم ، فيتوسمها في بعضهم ، كما قال تعالى : { ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم * ولتعرفنهم في لحن القول * والله يعلم أعمالكم } {[475]} . وقد كان من أشهرهم بالنفاق ، عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول .
واستند غير واحد من الأئمة في الحكمة عن كفّه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين ، بما ثبت في ( الصحيحين ) أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه{[476]} ( أكره أن يتحدث العرب أنّ محمدا / يقتل أصحابه ) . ومعناه خشية أن يقع بسبب ذلك تنفير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ، ولا يعلمون حكمة قتلهم بأنه لأجل كفرهم فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم ، فيقولون : إن محمدا يقتل أصحابه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.