{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ } : أي يخالفون الله ويُكذّبونه ، وأصل الخدع في اللغة : الإخفاء ، ومنه قيل [ للبيت الذي يُحيا فيه المتاع ] مُخدع ، والمخادع يظهر خلاف ما يُضمر ، وقال بعضهم : أصل الخداع في لغة : الفساد ، قال الشاعر :
أبيض اللون لذيذٌ طعمه *** طيّب الرّيق إذا الريق خدع
فيكون معناه : ليفسدون بما أضمروا بأنفسهم وبما أضمروا في قلوبهم ، وقيل معناه : يخادعون الله بزعمهم وفي ظنّهم ، يعني إنهم اجترؤوا على الله حتى أنهم ظنّوا أنهم يخادعون ، وهذا كقوله تعالى : { وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] يعني بظنّك وعلى زعمك .
وقيل : معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع فيما بينهم . وقيل : معناه يخادعون رسوله ، كقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] أي أسخطونا ، وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ } [ الأحزاب : 57 ] أي أولياء الله ؛ لأن الله سبحانه لا يؤذي ولا يخادع ، فبيّن الله تعالى أنّ من آذى نبياً من أنبيائه وولياً من أوليائه استحق العقوبة كما لو آذى رسوله وخادعه . يدل عليه الخبر المروي : إن الله تعالى يقول : من آذى ولياً من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة .
وقيل : إنّ ذكر الله سبحانه في قوله : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ } تحسين وتزيين لسامع الكلام ، والمقصد بالمخادعة للذين آمنوا كقوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] . ثم المخادعة على قدر المعاجلة وأكثر المفاضلة إنّما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين ، كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة ، وقد يكون أيضاً من واحد كقولك : طارقت النعل ، وعاقبت اللصّ ، وعافاك الله ، قال الله عزّ وجلّ : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] وقال : { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ } [ التوبة : 30 ] والمخادعة هاهنا عبارة عن الفعل الذي يختص بالواحد في حين الله تعالى لا يكون منه الخداع . { وَالَّذِينَ آمَنُوا } أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم : آمنا ، وهم غير مؤمنين ، وقال بعضهم : من خداعهم المؤمنين : هو أنّهم كانوا يجالسون المؤمنين ويخالطونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدّونهم من أنفسهم فيبثون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم .
قال الله تعالى : { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم } لأن وبال خداعهم راجع إليهم كأنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم ؛ وذلك أنّ الله تعالى لمطلع نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم على أسرارهم ونفاقهم ، فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى .
قال أهل الإشارة : إنما يخادع من لا يعرف البواطن ، فأما من عرف البواطن فإنّ مَنْ خادعه فإنما يخدع نفسه .
واختلف القرّاء في قوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ } فقرأ شيبة ونافع وابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء : { يخادعون } بالألف جعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد ، وقد ذكرنا خبره وتصديقها الحرف الأول ، وقوله : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ } لم يختلفوا فيه إلاّ ما روي عن أبي حمزة الشامي إنه قرأ : ( يخدعون الله ) وقرأ الباقون { وما يخدعون } على أشهر اللغتين وأضبطهما واختاره أبو عبيد . { وَمَا يَشْعُرُونَ } وما يعلمون إنها كذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.