الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

قوله : ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ )[ 8 ] .

الخداع : إظهار خلاف الاعتقاد .

وقوله : ( وَمَا يُخَادِعُونَ( {[776]} ) إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ )[ 8 ] .

أي وباله يرجع عليهم . واختار جماعة من العلماء : ( وَمَا يَخْدَعُونَ ) –بفتح الياء وسكون الخاء( {[777]} )- من غير ألف ، وهي قراءة ابن( {[778]} ) عامر وأهل الكوفة( {[779]} ) ، وإنما اختاروا ذلك لأن الله جل ذكره أخبر عنهم أولاً أنهم ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ )( {[780]} ) .

ولفظ قوله : ( وَمَا يُخَادِعُونَ( {[781]} ) إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ) ، نفي ذلك ، فيصير في ظاهر اللفظ قد أوجب شيئاً ثم نفاه( {[782]} ) بعينه ، فوجب أن يختاروا( {[783]} ) ( وَمَا( {[784]} ) يُخَادِعُونَ ) ليكون( {[785]} ) المنفي على معنى مخالفاً للموجب .

[ فأما وجه( {[786]} ) ] قراءة من قرأ الثاني " ( وَمَا يُخَادِعُونَ ) بألف( {[787]} ) فهو على معنى : وما يخادعون تلك المخادعة المذكورة عنهم إلا أنفسهم ، إذ وبالها راجع عليهم( {[788]} ) .

و " خادع " في اللغة ، يجوز أي يكون معناهعنى " خدع " من واحد . ومعنى " خدع " بلغ مراده . فلذلك أجمع القراء على ( يُخَادِعُونَ ) في الأول لأنه ليس بواقع ، وفي الثاني ( يُخَادِعُونَ ) بغير ألف لأنه أخبر تعالى أنه واقع بهم وراجع عليهم( {[789]} ) .

وذكر القتبي أن معنى الأول : يخادعون( {[790]} ) بالله الذين آمنوا/ وهو قولهم إذا لقوا المؤمنين : آمنا " .

وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين ، لكن قد أتت من واحد ، قالوا : " عَاقَبْتُ اللِّصَّ " ، " وَطَارَقْتُ النَّعْلَ " و " جَازَيْتُ فُلاناً وَحَادَيْتُهُ وَوَادَعْتُهُ وَدارَيْتُهُ( {[791]} ) " .

والمخادعة في هذا المعنى إنما هي للنبي/ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أي يخادعون نبي الله( {[792]} ) وأولياءه . و " خدع( {[793]} ) " فعل واقع ، و " خادع " فعل يجوز أن يقع ، ويجوز ألا يقع ، فلذلك اختار بعض العلماء ، ( وَمَا يُخَادِعُونَ( {[794]} ) ) إلا أنفسهم لأنه فعل واقع بهم بلا شك ، " فَيَخْدَعُون " ( {[795]} ) أولى من " يخادعون " ( {[796]} ) الذي يجوز أن يقع ، ويجوز ألا يقع( {[797]} ) .

وقوله : ( وَمَا يَشْعُرُونَ )( {[798]} ) [ 8 ] .

أي ليس يشعرون ، أي يعلمون( {[799]} ) أن ضر مخادعتهم راجع عليهم( {[800]} ) .

وقوله : ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[ 9 ] ، أي مؤلم .

وجمع " أليم " فيه ثلاثة أوجه :

إن شئت : " إلام " كَكَريم وكِرَامٍ ، وإن شئت : أُلَماء( {[801]} ) كَظَريفٍ وظُرَفَاء وإن شئت " أَلامٌ " كَشَرِيف وأَشْرافٍ( {[802]} ) .

و " فعيل " يأتي على ضربين : اسم وصفة ؛ فإذا كان اسماً ، فجمعه في أقل العدد على " أَفْعِلة " ، وفي أكثره على " فَعُل " كَرَغيفٍ وأَرْغِفَةٍ ورُغفٍ . وقد يأتي في الكثير على " فُعْلانٍ " ، قالوا : " رُغْفَانٌ وقُضْبَانٌ وكُثْبَانٌ " ، وقد أتى على " أفْعِلاَء " ، نصيبٌ وأنصباءٌ ، وخميسٌ وأخْمِساءُ " ( {[803]} ) .

فإن كان " فَعيلٌ " صفة ، فهو على نوعين : سالم ومعتل :

- فالسالم( {[804]} ) يجمع على " فُعَلاء " ( {[805]} ) نحو " كرماء " ، و " عُلَماء " وقد قالو : كِرامٌ وشِرافٌ( {[806]} ) .

- والمعتل( {[807]} ) يجمع على أفعلاء نحو " أَوْلياء " و " أَصْفِياءَ " .

وكذلك المضاعف نحو " أَشِدَّاء " و " أَشِحَّاء " ، وقد قالوا : أَنبياءٌ يجمع( {[808]} ) على أفعلاء( {[809]} ) على( {[810]} ) تقدير لزوم تخفيف الهمزة فيصير " كَتَقي وأَتْقِياء " . من همز قال( {[811]} ) : نَبِئاء على " فُعلاَء " ويجوز على مذهب من( {[812]} ) همز أنبياء [ بجعله نادراً ]( {[813]} ) " كخميس وأخمساء " . وقد قالوا : [ في جمع( {[814]} ) ] جليل : جلّة ، وهو نادر استغنوا به عن " أَجِلاَّء " .


[776]:- في ق: يخدعون.
[777]:- قوله: "وسكون الخاء" زيادة من ع3.
[778]:- في ع2: بن وهو خطأ.
[779]:- في ع2: ع3: الكوفية. وهي أيضاً قراءة حمزة والكسائي وعاصم وغيرهم. انظر: كتاب السبعة 41، والكشف 1/224.
[780]:- في ف: يخدعون.
[781]:- في ق، ع3: يخدعون.
[782]:- في ع3: بقاه. وهو تصحيف.
[783]:- في ع3: يجتروا. وهو تحريف.
[784]:- في ح: وما.
[785]:- سقط من ع3.
[786]:- في ع3: فأوجه. وهو تحريف.
[787]:- وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو. انظر: كتاب السبعة 141، والتبصرة 146، والكشف 1/227، والتيسير 72، وكتاب العنوان 68 والحجة 78، والنشر 2/207.
[788]:- وقد عزا مكي هذا الكلام إلى المبرد في الكشف 1/225.
[789]:- انظر: الكشف 1/224.
[790]:- في ع3: يجتروا.
[791]:- انظر: الكشف 1/224.
[792]:- في ق: لله.
[793]:- في ع1، ح، ق: خادع.
[794]:- في ع1: يخادعون.
[795]:- في ح، ع3: أولى به.
[796]:- في ع1: يخدعون.
[797]:- انظر: الكشف 1/225-226.
[798]:- في ع3: يسعرون. وهو تصحيف.
[799]:- قوله "أي يعلمون" ساقط من ح، ق.
[800]:- وبهذا فسر ابن عطية في المحرر الوجيز 1/115.
[801]:- في ع2: ألام. وهو تحريف.
[802]:- في ع2، ع3: شراف. انظر: هذا التوجيه في إعراب القرآن 1/188، والإملاء 1/17.
[803]:- في ق: فأخمساء.
[804]:- في ع2، ع3: والسالم.
[805]:- في ق فعلا. وهو تحريف.
[806]:- في ع2 أشراف. وهو خطأ.
[807]:- في ق: المقبل. وهو تحريف.
[808]:- في ع2، ح، ع3: فجمع. وهو تحريف.
[809]:- في ق: أفعلا. وهو تحريف.
[810]:- تكملة لازمة من ح.
[811]:- انظر: هذا التفسير في مجاز القرآن 1/32، ومفردات الراغب 486، وهو تفسير أبي العالية في صحيح البخاري 5/147.
[812]:- في ع3: عن. وهو تحريف.
[813]:- في ع2: يجعله ناذر، وهو خطأ.
[814]:- في ع3: بجمع. وهو تحريف.