الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (9)

واختلف المتأوِّلون في قوله : { يخادعون الله }[ البقرة :9 ] ، فقال الحسن بن أبي الحسن : المعنى يُخَادِعُون رسول اللَّه ، فأضافَ الأمرَ إلى اللَّه تجوُّزاً لتعلُّق رسوله به ، ومخادعتُهم هي تحيُّلهم في أن يُفْشِيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون إليهم أسرارهم .

( ع ) تقول خادَعْتُ الرجُلَ بمعنى : أعملْتُ التحيُّل عليه ، فَخَدَعْتُهُ بمعنى : تمَّت عليه الحيلة ، ونفذ فيه المرادُ ، وقال جماعةٌ : بل يخادعون اللَّهَ ، والمؤمنين بإِظهارهم من الإِيمان خلافَ ما أبطنوا من الكفر ، وإِنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب ، { وَمَا يَشْعُرُونَ }[ البقرة :9 ] بذلك معناه : وما يعلمون علْمَ تفطُّن وتَهَدٍّ ، وهي لفظة مأخوذة من الشِّعَار كأن الشيء المتفطَّن له شعار للنَّفْس ، وقولهم : لَيْتَ شِعْرِي : معناه : ليت فطنتي تُدْرِكُ .

واختلف ، ما الذي نَفي اللَّه عنهم أنْ يشعروا له ، فقالت طائفة : وما يَشْعُرُونَ أنَّ ضرَرَ تلْكَ المخادَعَةِ راجعٌ عليهم ، لخلودهم في النَّار ، وقال آخرون : وما يَشْعُرُونَ أنَّ اللَّه يكشف لك سِرَّهم ومخادعتهم في قولهم : { ءَامَنَّا } .