المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

15- ودخل موسى المدينة في وقت غفل فيه أهلها ، فوجد فيها رجلين يقتتلان : أحدهما من بني إسرائيل ، والآخر من قوم فرعون ، فاستعان به الإسرائيلي على خصمه فأعانه موسى ، وضرب الخصم بقبضة يده فقتله من غير قصد . ثم أسف موسى ، وقال : إنَّ إقدامي على هذا من عمل الشيطان . إن الشيطان لعدو ظاهر العداوة واضح الضلال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

ثم حكى - سبحانه - بعض الأحداث التى تعرض لها موسى - عليه السلام - فى تلك الحقبة من عمره فقال : { وَدَخَلَ المدينة على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } .

والمراد بالمدينة : مصر ، وقيل : ضاحية من ضواحيها ، كعين شمس ، أو منف .

وجملة { على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } حال من الفاعل . أى : دخلها مستخفيا .

قيل : والسبب في دخوله على هذه الحالة ، أنه بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون ، فخافهم وخافوه . فاختفى وغاب ، فدخلها متنكرا .

أى : وفى يوم من الأيام ، وبعد أن بلغ موسى سن القوة والرشد ، دخل المدينة التى يسكنها فرعون وقومه : { على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } أى : دخلها مستخفيا فى وقت كان أهلها غافلين عما يجرى فى مدينتهم من أحداث ، بسبب راحتهم فى بيوتهم فى وقت القيلولة ، أو ما يشبه ذلك .

{ فَوَجَدَ } موسى { فِيهَا } أى فى المدينة { رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أى : يتخاصمان ويتنازعان فى أمر من الأمور .

{ هذا مِن شِيعَتِهِ } أى : أحد الرجلين كان من طائفته وقبيلته . أى : من بنى إسرائيل : { وهذا مِنْ عَدُوِّهِ } أى : والرجل الثانى كان من أعدائه وهم القبط الذين كانوا يسيمون بنى إسرائيل سوء العذاب .

{ فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ } أى : فطلب الرجل الإسرائيلى من موسى ، أن ينصره على الرجل القبطى .

والاستغاثة : طلب الغوث والنصرة ، ولتضمنه معنى النصرة عدى بعلى .

{ فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ } والفاء هنا فصيحة . والوكز : الضرب بجميع الكف .

قال القرطبى : والوكز واللكز واللهز بمعنى واحد ، وهو الضرب بجميع الكف .

أى : فاستجاب موسى لمن استنصره به ، فوكز القبطى ، أى : فضربه بيده مضمومة أصابعها فى صدره ، { فقضى عَلَيْهِ } أى : فقتله . وهو لا يريد قتله ، وإنما كان يريد دفعه ومنعه من ظلم الرجل الإسرائيلي .

والتعبير بقوله - تعالى - : { فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ } يشير إلى أن موسى - عليه السلام - كان على جانب عظيم من قوة البدن ، كما يشير - أيضا - إلى ما كان عليه من مروءة عالية . حملته على الانتصار للمظلوم بدون تقاعس أو تردد .

ولكن موسى - عليه السلام - بعد أن رأى القبطى جثة هامدة ، استرجع وندم ، وقال : { هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان } أى : قال موسى : هذا الذى فعلته وهو قتل القبطى ، من علم الشيطان ومن وسوسته ، ومن تزيينه .

{ إِنَّهُ } أى : الشيطان { عَدُوٌّ } للإنسان { مُّضِلٌّ } له عن طريق الحق { مُّبِينٌ } أى : ظاهر العداوة والإضلال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

ثم ذكر تعالى سبب وصوله إلى ما كان تعالى قَدَّر له من النبوة والتكليم : قضية قتله ذلك القبطي ، الذي كان سبب خروجه من الديار المصرية إلى بلاد مدين ، فقال تعالى : { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا } قال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : وذلك بين المغرب والعشاء .

وقال ابن المنْكَدر ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس : كان ذلك نصف النهار . وكذلك قال سعيد بن جبير ، وعِكْرمة ، والسُّدِّي ، وقتادة .

{ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ } أي : يتضاربان ويتنازعان ، { هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ } أي : من بني إسرائيل{[22234]} ، { وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أي : قبطي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق . فاستغاث الإسرائيلي بموسى ، عليه السلام ، ووجد موسى فرصة ، وهي غفلة الناس ، فعمد إلى القبطي { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } .

قال مجاهد : وكزه ، أي : طعنه بجُمْع{[22235]} كفه . وقال قتادة : وكزه بعصا كانت معه .

{ فَقَضَى عَلَيْهِ } أي : كان فيها حتفه فمات ، قال موسى : { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ .


[22234]:- في ت : "أي إسرائيلي".
[22235]:- في ت : "بجميع".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

{ ودخل المدينة } ودخل مصر آتيا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين ، أو عين شمس من نواحيها . { على حين غفلة من أهلها } في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه ، قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين . { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه } أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفيه وهم القبط ، والإشارة على الحكاية . { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي } هو { من عدوه } فسأله أن يغيثه بالإعانة ولذلك عدي ب{ على } وقرئ " استعانه " . { فوكزه موسى } فضرب القبطي بجمع كفه ، وقرئ فلكزه أي فضرب به صدره . { فقضى عليه } فقتله وأصله فأنهى حياته من قوله { وقضينا إليه ذلك الأمر } { قال هذا من عمل الشيطان } لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم ، ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ ، وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم . { إنه عدو مضل مبين } ظاهر العداوة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

واختلف المتأولون في قوله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } فقال السدي : كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون ، فقالوا فركب فرعون يوماً وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة ، قاله ابن عبس وقال أيضاً هو ما بين العشاء والعتمة ، وقال ابن إسحاق بل { المدينة } مصر نفسها ، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفياً بنفسه متخوفاً منهم فدخل متنكراً حذراً مغتفلاً للناس ، وقال ابن زيد : بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به ، وقيل كان يوم عيد ، وقوله تعالى : { يقتتلان } في موضع الحال أي مقتتلين ، و { شيعته } بنو إسرائيل ، و { عدوه } القبط ، وذكر الأخفش سعيد بن مسعدة{[9122]} أنها «فاستعانه » بالعين غير معجمة{[9123]} وبالنون وهي تصحيف لا قراءة{[9124]} ، وذكر الثعلبي أن الذي { من شيعته } هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون ، وقوله { هذا } { وهذا } حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب { هذا } عن غائب ماض ، «والوكز » الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاثة وسبعين ، وقرأ ابن مسعود «فلكزه » والمعنى واحد ، إلا أن اللكز في اللحا ، والوكز على القلب ، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود «فنكزه » بالنون المعنى واحد ، «وقضى عليه » ، معناه قتله مجهزاً ، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده ، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه ، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله{[9125]} وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد .


[9122]:هو المعروف بالأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشي بالولاء، البلخي ثم البصري، أبو الحسن ، نحوي، عالم باللغة والأدب، من أهل بلخ، وسكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبويه، وصنف كتبا منها: "تفسير معاني القرآن" و "شرح أبيات المعاني"، وهما مخطوطان، وزاد في العروض بحر الخبب، وكان الخليل قد جعل البحور خمسة عشر بحرا فأصبحت بذلك ستة عشر بحرا. (وفيات الأعيان- الفهرست لابن النديم- معجم الأدباء).
[9123]:هي قراءة سيبويه، وابن مقسم، والزعفراني، وهي بالعين المهملة بدلا من الغين، وبالنون بدلا من الثاء، ومعناها: طلب منه أن يعينه على خصمه، قال أبو القاسم يوسف ابن جبارة: الاختيار قراءة ابن مقسم، لأن الإعانة أولى في هذا الباب. (راجع البحر المحيط).
[9124]:قال أبو حيان الأندلسي: "ولست تصحيفا؛ فقد نقلها ابن خالويه عن سيبويه، وابن جبارة عن ابن مقسم والزعفراني".
[9125]:كأن ابن عطية يرد بهذا التحليل على قول من قال: إن الضمير في قوله تبارك وتعالى: [فقضى] يرجع إلى الله، والمعنى: فقضى الله عليه، وعلى قول من قال: إنه يعود على المصدر المفهوم من الكلام، والمعنى: فقضى الوكز عليه.