ثم أكد موسى عليه السلام - للمرة الثالثة ، توبته إلى ربه ، وشكره إياه على نعمه ، فقال : { رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } .
والظهير : المعين لغيره والناصر له . يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه ، ويطلق على الواحد والجمع . ومنه قوله - تعالى - : { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .
قال صاحب الكشاف : قوله { بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف ، تقديره : أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } . وأن يكون استعطافا ، كأنه قال : رب اعصمنى بحق ما أنعمت على من المغفرة فلن أكون - إن عصمتنى - ظهيرا للمجرمين .
وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه فى جملته ، وتكثيره سواده ، حيث كان يركب بركوبه ، كالولد مع الوالد . وكان يسمى ابن فرعون . وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلى المؤدية إلى القتل الذى لم يحل له .
وهذه الضراعة المتكررة إلى الله - تعالى - من موسى - عليه السلام - ، تدل على نقاء روحه ، وشدة صلته بربه ، وخوفه منه ، ومراقبته له - سبحانه - ، فإن من شأن الأخيار فى كل زمان ومكان ، أنهم لا يعينون الظالمين ، ولا يقفون إلى جانبهم .
قال القرطبى : ويروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته ، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة ، يوم تزل الأقدام ، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه ، أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام " .
وقوله : قالَ رَبّ بِمَا أنْعَمْتَ عَليّ يقول تعالى ذكره : قال موسى ربّ بانعامك عليّ بعفوك عن قتل هذه النفس فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ يعني المشركين ، كأنه أقسم بذلك ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «فَلا تَجْعَلْنِي ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ » كأنه على هذه القراءة دعا ربه ، فقال : اللهمّ لن أكون ظهيرا ولم يستثن عليه السلام حين قال فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ فابتلي . وكان قَتادة يقول في ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْمُجْرِمِينَ يقول : فلن أعين بعدها ظالِما على فُجره ، قال : وقلما قالها رجل إلا ابتُلي ، قال : فابتلي كما تسمعون .
ثم قال عليه السلام لربه معاهداً { رب } بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معيناً { للمجرمين } هذا أحسن ما تؤول .
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله { فلن أكون } ، والقسم لا يتلقى ب «لن » ، والفاء تمنع أن تنزل «لن » منزلة «لا » أو «ما » فتأمله واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله «فلا تجعلني ظهيراً » .
قال الفقيه الإمام القاضي : واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في [ منع ]{[9126]} خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك ، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.