ثم بين - سبحانه - فى أواخر هذه السورة الكريمة ، أن علم قيام الساعة إليه - تعالى - وحده ، وأن الإِنسان لا يسأم من طلب المزيد من الخير فإذا مسه الشر يئس وقنط . وأن حكمته - تعالى - قد اقتضت أن يقيم للناس الأدلة على قدرته ووحدانيته من أنفسهم وعن طريق هذا الكون الذى يعيشون فيه فقال - تعالى - :
{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة وَمَا تَخْرُجُ . . . } .
قوله - تعالى - : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ . . } بيان لانفراد الخالق - عز وجل - بوقت قيام الساعة ، وبإحاطة علمه - تعالى - بكل شئ ، وإرشاد للمؤمنين إلى ما يقولونه إذا ما سئلوا عن ذلك .
والأكمام : جمع كم - بكسر الكاف - وهو الوعاء الذى تكون الثمرة بداخله .
أى : إلى الله - تعالى - وحده مرجع علم قيام الساعة ، وما تخرج ثمرات من أوعيتها الكائنة بداخلها ، وما تحمل من أنثى حملا ولا تضعه إلا بعلمه وإرادته - عز وجل - و " من " فى قوله { مِن ثَمَرَاتٍ } وفى قوله { مِنْ أنثى } مزيد لتأكيد الاستغراق . وفى قوله { مِّنْ أَكْمَامِهَا } ابتدائية .
قال الجمل : " فإن قلت : قد يقول الرجل الصالح قولا فيصيب فيه ، وكذلك الكهان والمنجمون .
قلت : أما قول الرجل الصالح فهو من إلهام الله ، فكان من عمله - تعالى - الذى يرد إليه ، وأما الكهان والمنجمون فلا يمكنهم القطع والجزم فى شئ ما يقولونه ألبتة ، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف قد لا يصيب . وعلم الله - تعالى - هو العلم اليقين المقطوع به الذى لا يشركه فيه أحد .
ثم بين - سبحانه - تبرُّأ المشركين من آلهتهم يوم القيامة فقالك { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قالوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ . وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } .
والظرف " يوم " منصوب بفعل مقدر ، ومعنى " آذناك " أعلمناك وأخبرناك ، آذان فلان غيره يؤذنه ، إذا أعلمه بما يريد إعلامه به .
والنداء والسؤال إنما لتوبيخهم والتهكم بهم فى هذا الموقف العظيم .
أى : واذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ يوم ينادى الله - تعالى - المشركين فيقول لهم يوم القيامة : أين شركائى الذين كنتم تعبدون من دونى ليقربوكم إلى أو ليشفعوا لكم عندى ؟
{ قالوا } على سبيل التحسر والتذلل : يا ربنا لقد { آذَنَّاكَ } أى : لقد أعلمناك بأنه مامنا أحد يشهد بأن لك شريكا ، فقد انكشفت عنا الحجب ، واعترفنا بأنك أنت الواحد القهار .
وبمناسبة الإشارة إلى الأجل المسمى ، وتقرير عدل الله فيه ، يقرر أن أمر الساعة وعلمها إلى الله وحده ، ويصور علم الله في بعض مجالاته صورة موحية تمس أعماق القلوب . وذلك في الطريق إلى عرض مشهد من مشاهد القيامة يسأل فيه المشركون ويجيبون :
( إليه يرد علم الساعة ، وما تخرج من ثمرات من أكمامها ، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . ويوم يناديهم : أين شركائي ? قالوا : آذناك ما منا من شهيد . وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل ، وظنوا ما لهم من محيص ) . .
والساعة غيب غائر في ضمير المجهول . والثمرات في أكمامها سر غير منظور ، والحمل في الأرحام غيب كذلك مستور . وكلها في علم الله ، وعلم الله بها محيط . ويذهب القلب يتتبع الثمرات في أكمامها ، والأجنة في أرحامها . يذهب في جنبات الأرض كلها يرقب الأكمام التي لا تحصى ؛ ويتصور الأجنة التي لا يحصرها خيال ! وترتسم في الضمير صورة لعلم الله بقدر ما يطيق الضمير البشري أن يتصور من الحقيقة التي ليس لها حدود .
ويتصور القطيع الضال من البشر ، واقفاً أمام هذا العلم الذي لا يند عنه خاف ولا مستور :
( ويوم يناديهم : أين شركائي ? ) . .
هنا في هذا اليوم الذي لا يجدي فيه جدال ، ولا تحريف للكلم ولا محال . فماذا هم قائلون ?
المعنى : أن وقت علم الساعة ومجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه إلى الله عز وجل . وذكر تعالى الثمار وخروجها من الأكمام وحمل الإناث مثالاً لجميع الأشياء ، إذ كل شيء خفي فهو في حكم هذين .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش : «من ثمرة » بالإفراد على أنه اسم جنس . وقرأ نافع وابن عامر : «ثمرات » بالجمع ، واختلف عن عاصم وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج والحسن بخلاف ، وفي مصحف عبد الله : «في ثمرة من أكمامها » . والأكمام : جمع كم{[10092]} ، وهو غلاف التمر قبل ظهوره .
وقوله تعالى : { ويوم يناديهم } تقديره : واذكر يوم يناديهم والضمير في : { يناديهم } ظاهره والأسبق فيه أنه يريد به الكفار عبدة الأوثان . ويحتمل أن يريد به كل من عبد من دون الله من إنسان وغيره ، وفي هذا ضعف ، وإنما الضمير في قوله : { وضل عنهم } فلا احتمال لعودته إلا على الكفار . و : { آنذاك } قال ابن عباس وغيره معناه : أعلمناك { ما منا من شهيد } ولا من يشهد بأن لك شريكاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.