فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

ثم أخبر سبحانه أن علم القيامة ووقت قيامها لا يعلمه غيره فقال :{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ } أي علم سؤال الساعة ، أي السؤال عنها أي علم جواب هذا السؤال ، فإذا وقع السؤال عنها وجب على المسؤول أن يرد علمها إليه لا إلى غيره ، وأخذ الحصر من تقديم المعمول ، وقد روي أن المشركين قالوا : يا محمد إن كنت نبيا فخبرنا متى تقوم الساعة ، فنزلت هذه الآية { وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا } ما نافية ومن الأولى للاستغراق ؛ والثانية لابتداء الغاية وقيل ما موصولة في محل جر عطفا على الساعة أي علم الساعة وعلم التي تخرج ، والأولى أولى .

والأكمام جمع كف بكسر الكاف ، وهو روي الثمرة ، ويطلق على كل ظرف لمال أو غيره ، قال أبو عبيدة أكمامها أوعيتها ، وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها : كم وكمة ، قال الراغب : الكم ما يغطي اليد من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه أكمام ، وهذا يدل على أن الكم بضم الكاف لأنه جعله مشتركا بن كم القميص وكم الثمرة ، ولا خلاف في كم القميص أنه بالضم ، ويمكن أن يقال : إن في الكم الذي هو وعاء الثمر لغتين ، قرأ الجمهور من ثمرة بالإفراد على إرادة الجنس ، وقرئ بالجمع للاختلاف في أنواع الثمار ، قال قتادة من أكمامها حين تطلع

{ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى } حملا في بطنها { وَلَا تَضَعُ } ذلك الحمل { إِلَّا بِعِلْمِهِ } أي علم الله سبحانه والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال ، أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع في حال من الأحوال ملابسا لشيء من الأشياء إلا كائنا بعلم الله ، فإليه يرد علم الساعة كما يرد إليه علم هذه الأمور الحادثة ، وفيه دليل على أن أصحاب الكشف والكهان وأهل النجوم لا يمكنهم القطع والجزم في شيء مما يقولونه البتة ، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف ، أو وهم خفيف ، قد لا يصيب ، وعلم الله هو العلم اليقين المقطوع به الذي لا يشركه فيه أحد .

{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } أي ينادي الله سبحانه المشركين ، وذلك يوم القيامة فيقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَائِي } الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي في الدنيا ، من الأصنام وغيرها ، فادعوهم الآن فليشفعوا لكم ، أو يدفعوا عنكم العذاب وهذا على طريقة التهكم بهم والتقريع لهم ، وأضافهم إلى نفسه على زعمهم الباطل ، والعامل في يوم محذوف أي اذكر .

{ قَالُوا } أي يقولون ، فالماضي بمعنى المضارع { آَذَنَّاكَ } أي أعلمناك قال ابن عباس يقاتل : آذن يؤذن إذا أعلم أي أعلمناك وقيل : أخبرناك ، قال النسفي : وهو الأظهر إذ الله تعالى كان عالما بذلك ، وإعلام العالم محال إنما الإخبار للعالم بالشيء يتحقق بما علم له إلا أن يكون المعنى إنك علمت من قلوبنا الآن أنا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة لأنه إذا علمه من نفوسهم فكأنهم أعلموه انتهى .

{ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ } يشهد بأن لك شريكا ، وذلك أنهم لما عاينوا القيامة تبرؤوا من الشركاء ، وتبرأت منهم تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها ، وقيل : لهم بأنهم كانوا محقين ، والأول أولى .