البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

الأكمام ، واحدها كمّ ، قال الزمخشري : بكسر الكاف ، وقال المبرد : هو ما يغطي الثمرة لجف الطلعة ، ومن قال في الجمع أكمه ، فالواحد كمام .

لما ذكر تعالى { من عمل صالحاً } الآية ، كان في ذلك دلالة على الجزاء يوم القيامة ، وكأن سائلاً قال : ومتى ذلك ؟ فقيل : لا يعلمها إلا الله ، ومن سئل عنها فليس عنده علم بتعين وقتها ، وإنما يرد ذلك إلى الله .

ثم ذكر سعة علمه وتعلقه بما لا يعلمه إلا هو تعالى .

وقرأ أبو جعفر ، والأعرج ، وشيبة ، وقتادة ، والحسن بخلاف عنه ؛ ونافع ، وابن عامر ، في غير رواية : أي جلية ؛ والمفضل ، وحفص ، وابن مقسم : { من ثمرات } على الجمع .

وقرأ باقي السبعة ، والحسن في رواية طلحة والأعمش : بالإفراد .

ولما كان ما يخرج من أكمام الشجرة وما تحمل الإناث وتضعه هو إيجاد أشياء بعد العدم ، ناسب أن يذكر مع علم الساعة ، إذ في ذلك دليل على البعث ، إذ هو إعادة بعد إعدام ، وناسب ذكر أحوال المشركين في ذلك اليوم ، وسؤالهم سؤال التوبيخ فقال : { ويوم يناديهم أين شركائي } : أي الذين نسبتموهم إليّ وزعمتم أنهم شركاء لي ، وفي ذلك تهكم بهم وتقريع .

والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير الله ، فيندرج فيه عباد الأوثان .

{ قالوا آذناك } : أي أعلمناك ، قال الشاعر :

آذنتنا ببينها أسماء *** رب ثاو يملّ منه الثواء

وقال ابن عباس : أسمعناك ، كأنه استبعد الإعلام لله ، لأن أهل القيامة يعلمون أن الله يعلم الأشياء علماً واجباً ، فالإعلام في حقه محال .

والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين ، لأنهم المحدث معهم .

{ ما منا } أحد اليوم ، وقد أبصرنا وسمعنا .

يشهد أن لك شريكاً ، بل نحن موحدون لك ، وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم ، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ .

وقيل : الضمير في قالوا عائد على الشركاء ، أي قالت الشركاء : { ما منا من شهيد } أضافوا إلينا من الشرك ، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام .

والجملة من قوله : { ما منا من شهيد } في موضع المفعول .

وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه ، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب .

والظاهر أن قولهم : { آذناك } إنشاء ، كقولك : أقسمت لأضربن زيداً ، وإن كان إخباراً سابقاً ، فتكون إعادة السؤال توبيخاً لهم .