إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة } أي إذا سئلَ عنها يقالُ الله يعلمُ أو لا يعلمُها إلا الله تعالى { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات مّنْ أَكْمَامِهَا } أي من أوعيتِها جمعُ كِمٍ بالكسرِ وهُو وعاءُ الثمرةِ كَجُفِّ الطلعةِ . وقُرِئ من ثمرةٍ على إرادةِ الجنسِ والجمعُ لاختلافِ الأنواعَ . وقد قُرِئ بجمعِ الضميرِ أيضاً ، ومَا نافيةٌ ومِنْ الأُولى مزيدةٌ للاستغراقِ ، واحتمالُ أَنْ تكَونَ مَا موصولةً معطوفةً على الساعةِ ومِنْ مبينةً بعيدٌ { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ } أي حَملَها . وقولُه تعالى { إِلاَّ بِعِلْمِهِ } استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ الأحوالِ أيْ وما يحدثُ شيء من خروجِ ثمرةٍ ولا حملِ حاملٍ ولا وضعِ واضعٍ ملابساً بشيءٍ من الأشياءِ إلا ملابساً بعلمهِ المحيطِ { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي } أي بزعمِكم كما نصَّ عليه في قولِه تعالى : { نَادُوا شُرَكَائِيَ الذين زَعَمْتُمْ } وفيهِ تهكمٌ بهِم وتقريعٌ لَهُم ويومَ منصوبٌ باذكُرْ أو ظرفٌ لمضمرٍ مؤخرٍ قد تُرك إيذاناً بقصورِ البيانِ عنْه كما مرَّ في قولِه تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل } { قَالُوا آذَنَّاكَ } أي أخبرناكَ { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } لهم بالشركةِ إذ تبرأنَا منهم لَمَّا عاينَّا الحالَ وما منا أحدٌ إلا وهو موحدٌ لكَ ، أو ما منا من أحدٍ يشاهدُهم لأنهم ضلُّوا عنهُم حينئذٍ وقيلَ : هو قولُ الشركاءِ أي ما منَّا من شهيدُ لهم بأنَّهم كانُوا محقِّينَ . وقولُهم آذناكَ إما لأنَّ هذا التوبيخَ مسبوقٌ بتوبيخٍ آخر مجابٍ عنه بهذا الجوابِ أو لأنَّ معناهُ أنك علمتَ من قلوبِنا وعقائدِنا الآنَ أنا لا نشهدُ تلكَ الشهادةَ الباطلةَ لأنَّه إذا علمَهُ من نفوسِهم فكأنَّهم أعلمُوه ، أو لأنَّ معناهُ الإنشاءُ لا الإخبارُ بإيذانٍ قد كانَ قبلَ ذلكَ .