قوله ( تعالى ){[48939]} : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة } لما هدد الكفار بقوله : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } ومعناه أن جزاء كل أحد يصل إليه يوم القيامة ، فكأن سائلاً قال : ومتى يكون ذلك اليوم ؟ فقال تعالى : إنه لا سبيل للخلق إلى معرفة وقت ذلك اليوم ولا يعلمه إلا الله فقال : إليه يرد علم الساعة وهذه الكلمة تفيد الحصر ، أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلا الله تعالى وكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله ، ثم ذكر من أمثلة هذا الباب مثالين :
أحدهما : قوله : { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } .
والثاني : قوله : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ }{[48940]} .
قوله : { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ }{[48941]} ما{[48942]} هذه يجوز أن تكون نافية وهو الظاهر وأن تكون موصولة جوَّز ذلك أبو البقاء{[48943]} ، ولم يبين وجهه ، وبيانه أنها مجرورة المحمل عطف على الساعة أي ( علم الساعة ){[48944]} وعلم التي تخرج ، و «مِنْ ثَمَراتٍ » على هذا حال ، أو تكون «مِن » للبيان ، و«مِن » الثانية لابتداء الغاية . وأما الثانية فنافية فقط . قال أبو البقاء : لأنه عطف عليها «وَلاَ تَضَعُ » ثم نقض النفي بإلا ولو كانت بمعنى الذي معطوفة على الساعة لم يَجُزْ ذلك{[48945]} .
وقرأ نافعٌ وابن عامر «ثَمَراتٍ »{[48946]} ويقويه أنها رُسِمَتْ بالتاء الممطوطة والباقون ثمرة بالإفراد ، والمراد بها الجنس ، فإن كانت «ما » نافية كانت «مِنْ » مزيدة في{[48947]} الفاعل ، و إن كانت موصولة كانت للبيان{[48948]} كما تقدم . والأكمام جمع «كِمّ » بكسر الكاف ؛ كذا ضبطه الزمخشري{[48949]} ، وهو ما يغطي الثمرة كجُفِّ الطَّلع{[48950]} . و قال الراغب : الكُم ما يغطي اليد من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه : أكمامٌ{[48951]} ، وهذا يدل على أنه مضموم الكاف ؛ إذ جعله مُشْتَرَكاً بين «كم » القميص ، و«كم » الثمرة ، ولا خلاف في «كُم » القميص بالضم فيجوز أن يكون في وعاء الثمرة لغتان ، دون «كم » القميص جمعاً بين قوليهما{[48952]} . وأما أَكمَةٌ فواحدها «كِمامٌ » كأزمَّةٍ وزمامٍ{[48953]} .
قال أبو عبيدة : أكمامها أوعيتها وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها كم{[48954]} وكمَّة . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[48955]} : يعنى الكُفُرَّى{[48956]} قبل أن تنشقَّ . { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي إليه يرد علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنِّتاج{[48957]} .
قوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } أي بحسب زعمكم واعتقادكم . ( و ) ابن كثير ياء شُركائي{[48958]} . { قالوا آذَنَّاكَ } قال ابن عباس ( رضي الله{[48959]} عنهما ) : أسمعناك ، كقوله { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الإنشقاق : 2 ] ، يعني سمعت . وقال الكلبي : أعلمناك ، قال ابن الخطيب : وهذا بعيد ؛ لأن أهل القيامة يعملون أن الله تعالى يعلم الأشياء علماً واجباً ، فالإعلام في حقه محال{[48960]} .
قوله : { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } هذه الجملة المنفية معلقة «لآذناك » ؛ لأنهما بمعنى أعلمناكَ ، قال :
4366 آذَنَتْنَا ببَيْنها أَسْمَاءُ *** رُبَّ ثاوٍ يَمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ{[48961]}
وتقدم الخلاف في تعليق أعلم{[48962]} . و«مِنْ » للغاية . والصحيح وقوعه سماعاً من العرب . وجوَّز أبو حاتم أن يوقف على «آذنَّاكَ » وعلى «ظنوا » ويبتدأ بالنفي بعدهما على سبيل الاستئناف . و«مِنّا » خبر مقدم . و«مِنْ شَهِيدٍ » مبتدأ ، ويجوز أن يكون «مِنْ شَهِيدٍ » فاعلاً بالجار قبله ؛ لاعتماده على النفي{[48963]} .
قيل : ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكاً لما عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام .
وقيل : معناه ما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم فلا يبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل : هذا كلام الأصنام كأن الله يجيبها ، ثم إنها تقول : «مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ » بصحة ما أضافه إلينا من الشركة ، وعلى هذا التقدير فمعنى ضلالهم عنهم ( أنهم{[48964]} لا ينفعونهم وهي معنى قوله : { وَضَلَّ عَنْهُم ) مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } [ فصلت : 48 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.