اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

قوله ( تعالى ){[48939]} : { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة } لما هدد الكفار بقوله : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } ومعناه أن جزاء كل أحد يصل إليه يوم القيامة ، فكأن سائلاً قال : ومتى يكون ذلك اليوم ؟ فقال تعالى : إنه لا سبيل للخلق إلى معرفة وقت ذلك اليوم ولا يعلمه إلا الله فقال : إليه يرد علم الساعة وهذه الكلمة تفيد الحصر ، أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلا الله تعالى وكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله ، ثم ذكر من أمثلة هذا الباب مثالين :

أحدهما : قوله : { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } .

والثاني : قوله : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ }{[48940]} .

قوله : { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ }{[48941]} ما{[48942]} هذه يجوز أن تكون نافية وهو الظاهر وأن تكون موصولة جوَّز ذلك أبو البقاء{[48943]} ، ولم يبين وجهه ، وبيانه أنها مجرورة المحمل عطف على الساعة أي ( علم الساعة ){[48944]} وعلم التي تخرج ، و «مِنْ ثَمَراتٍ » على هذا حال ، أو تكون «مِن » للبيان ، و«مِن » الثانية لابتداء الغاية . وأما الثانية فنافية فقط . قال أبو البقاء : لأنه عطف عليها «وَلاَ تَضَعُ » ثم نقض النفي بإلا ولو كانت بمعنى الذي معطوفة على الساعة لم يَجُزْ ذلك{[48945]} .

وقرأ نافعٌ وابن عامر «ثَمَراتٍ »{[48946]} ويقويه أنها رُسِمَتْ بالتاء الممطوطة والباقون ثمرة بالإفراد ، والمراد بها الجنس ، فإن كانت «ما » نافية كانت «مِنْ » مزيدة في{[48947]} الفاعل ، و إن كانت موصولة كانت للبيان{[48948]} كما تقدم . والأكمام جمع «كِمّ » بكسر الكاف ؛ كذا ضبطه الزمخشري{[48949]} ، وهو ما يغطي الثمرة كجُفِّ الطَّلع{[48950]} . و قال الراغب : الكُم ما يغطي اليد من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه : أكمامٌ{[48951]} ، وهذا يدل على أنه مضموم الكاف ؛ إذ جعله مُشْتَرَكاً بين «كم » القميص ، و«كم » الثمرة ، ولا خلاف في «كُم » القميص بالضم فيجوز أن يكون في وعاء الثمرة لغتان ، دون «كم » القميص جمعاً بين قوليهما{[48952]} . وأما أَكمَةٌ فواحدها «كِمامٌ » كأزمَّةٍ وزمامٍ{[48953]} .

قال أبو عبيدة : أكمامها أوعيتها وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها كم{[48954]} وكمَّة . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[48955]} : يعنى الكُفُرَّى{[48956]} قبل أن تنشقَّ . { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي إليه يرد علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنِّتاج{[48957]} .

قوله : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } أي بحسب زعمكم واعتقادكم . ( و ) ابن كثير ياء شُركائي{[48958]} . { قالوا آذَنَّاكَ } قال ابن عباس ( رضي الله{[48959]} عنهما ) : أسمعناك ، كقوله { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الإنشقاق : 2 ] ، يعني سمعت . وقال الكلبي : أعلمناك ، قال ابن الخطيب : وهذا بعيد ؛ لأن أهل القيامة يعملون أن الله تعالى يعلم الأشياء علماً واجباً ، فالإعلام في حقه محال{[48960]} .

قوله : { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } هذه الجملة المنفية معلقة «لآذناك » ؛ لأنهما بمعنى أعلمناكَ ، قال :

4366 آذَنَتْنَا ببَيْنها أَسْمَاءُ *** رُبَّ ثاوٍ يَمَلُّ مِنْهُ الثَّواءُ{[48961]}

وتقدم الخلاف في تعليق أعلم{[48962]} . و«مِنْ » للغاية . والصحيح وقوعه سماعاً من العرب . وجوَّز أبو حاتم أن يوقف على «آذنَّاكَ » وعلى «ظنوا » ويبتدأ بالنفي بعدهما على سبيل الاستئناف . و«مِنّا » خبر مقدم . و«مِنْ شَهِيدٍ » مبتدأ ، ويجوز أن يكون «مِنْ شَهِيدٍ » فاعلاً بالجار قبله ؛ لاعتماده على النفي{[48963]} .

فصل

في معنى الآية وجوه :

قيل : ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكاً لما عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام .

وقيل : معناه ما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم فلا يبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل : هذا كلام الأصنام كأن الله يجيبها ، ثم إنها تقول : «مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ » بصحة ما أضافه إلينا من الشركة ، وعلى هذا التقدير فمعنى ضلالهم عنهم ( أنهم{[48964]} لا ينفعونهم وهي معنى قوله : { وَضَلَّ عَنْهُم ) مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } [ فصلت : 48 ] .


[48939]:زيادة من أ الأصل.
[48940]:قاله الإمام الرازي في التفسير الكبير 27/136 و137.
[48941]:ضبطت في النسخ ثمرة بالإفراد.
[48942]:في ب يجوز أن تكون "ما" نافية ..الخ.
[48943]:التبيان 1128.
[48944]:ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
[48945]:في التبيان لم يستقم وكل هذا أخذ من التبيان لأبي البقاء 1128.
[48946]:هي القراءة المعهودة عن حفص عن عاصم وهي قراءة متواترة انظر السبعة لابن مجاهد 577 والكشف لمكي 2/249.
[48947]:وهو ثمرات وهو حينئذ يكون مرفوعا بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال النحل بحركة حرف الجر الزائد.
[48948]:انظر الدر المصون 4/739.
[48949]:الكشاف 3/456.
[48950]:في النخل خاصة ويسميه عوام الناس الكوز وانظر اللسان "جفف" 642.
[48951]:المفردات للراغب 441.
[48952]:في ب قولهما وفي اللسان: والكم للطلع ـ بضم الكاف ـ وقد ضبطت في المحكم والتهذيب بالضم ككم القميص. بينما وجدت في المصباح والقاموس والنهاية كم الطلع وكل نور بالكسر وانظر اللسان كمم 3931 والقاموس والمصباح "كمم".
[48953]:نقل صاحب اللسان عن الجوهري: والكم بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النور، والجمع كمام وأكمه وأكمام اللسان المرجع السابق.
[48954]:في ب كمة وانظر المجاز 2/198 "أي أوعيتها واحدتها كمة" وهو ما كانت فيه وكم وكمة واحد وجمعهما أكمام وأكمة.
[48955]:زيادة من أ.
[48956]:وهي وعاء طلع النخل والكافور., اللسان كفر.
[48957]:انظر معالم التنزيل 6/114.
[48958]:الإتحاف 382 وهي من الأربع فوق العشر المتواترة.
[48959]:زيادة من أ.
[48960]:الرازي 27/136.
[48961]:البيت من الخفيف، وهو مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكري وأسماء اسم امرأة. والبين البعد والمعنى لا نمل إقامة هذه المرأة بيننا لكنها أعلمتنا بالرحيل. والشاهد: آذنتنا فإنها بمعنى أعلمتنا. وقد تقدم.
[48962]:للثاني والثالث من مفاعيل أعلم وأرى ما كان لهما في باب "علم ورأى" من جواز الإلغاء والتعليق وغيرهما ومنع قوم الإلغاء والتعليق هنا سواء ثبت للفاعل أو للمفعول، وعليه ابن النحاس وابن أبي الربيع لأن مبنى الكلام عليهما ولا يجيء بعدما مضى الكلام على الابتداء ومنعهما آخرون إن ثبت للفاعل وعليه الجزولي؛ لما فيه من إعمالها في المفعول الأول وإلغائها بالنسبة إلى الأخيرين وذلك تناقض لأنه بقوة وضعف معا بخلاف ما إذا لم يثبت للمفعول. ومنع آخرون التعليق دون الإلغاء وعليه الأكثرون، ومنع قوم إلغاء أعلم دون أرى، وعليه الشلوبين؛ لأن أعلم مؤثر فلا يلغى كما تلغى الأفعال المؤثرة. وأرى بمعنى أذن موافقة في الإلغاء كما وافقه في المعنى. انظر الهمع 1/158.
[48963]:انظر في هذا التبيان للعكبري 1128 و1129 والدر المصون 4/740.
[48964]:ما بين القوسين سقط من أ الأصل.