ثم انتقل - سبحانه - من خطاب المؤمنين إلى خطابه - صلى الله عليه وسلم - فقال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ . . } .
أى : فإن أعرضوا عن الإِيمان بك ، وتركوا طاعتك ، فلا تبتئس ولا تيأس ، بل قل " حسبى الله " أى : هو كافينى ونصيرى { لا إله إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - { رَبُّ العرش العظيم } الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله - عز وجل - .
ففى هاتين الآيتين الكريمتين بيان للصفات التي منحها - سبحانه - لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ودعوة له - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يفوض أمره إلى خالقه فهو - سبحانه - كافيه وناصره .
السورة التي احتوت على بيان الأحكام النهائية في العلاقات الدائمة بين المجتمع الإِسلامى ، والمجتمعات الأخرى .
السورة التي حرضت المؤمنين على الجهاد في سيبل الله ، وساقت لهم من وسائل الترغيب في ذلك ، ما يجعلهم يقدمون على قتال أعدائهم بصبر وثبات واستبشار .
السورة التي اوجبت على المؤمنين أن تكون محبتهم لله ولرسوله ، ولإِعلاء كلمة الحق ، فوق محبة الآباء والأبناء والإِخوان والأزواج والعشيرة والأموال .
السورة التي ذكرت المؤمنين بنصر الله لهم في مواطن كثيرة ، وحذرتهم من الغرور بأنفسهم . والعجب بقوتهم ، وأمرتهم بنصرة رسوله في السراء والضراء والعسر واليسر ، والمنشط والمكره .
السورة التي أمرت المؤمنين بأن يخلصوا في دفاعهم عن دين الله وعن حرماته وعن مقدساته . وبشرتهم بأنهم إذا فعلوا ذلك ، فسوف يغنيهم الله من فضله .
السورة التي فضحت المنافقين ، وكشفت عن أساليبهم الخبيثة ، ومسالكهم القبيحة ، وأقوالهم المنكرة ، وأفعالهم الأثيمة ، وسجلت عليهم الخزى والعار وحذرت المؤمنين من شرورهم . .
السورة التي رسمت أسس التكافل الاجتماعى بين أفراد الأمة الإِسلامية ، عن طريق مشروعية الزكاة ، ووجوب أدائها لمستحقيها .
السورة التي ساقت ألونا من فضل الله على عباده المؤمنين ، حيث تقبل سبحانه توبتهم ، وغسل حوبتهم ، وتجاوز عن خطئهم .
السورة التي صنفت المجتمع الإِسلامى في أواخر اعهد النبوى تصنيفا دقيقا .
فهناك السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان وهناك الذين خطلوا عملا صالحا وآخر سيئاً .
وهناك المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم .
وهناك الأعراب المنافقون ، وهناك الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة .
وقد بينت السورة الكريمة ما يستحقه كل قسم من الأقسام من ثواب أو عقاب .
السورة التي أوحبت على المؤمنين أن يقيموا علاقاتهم على أساس العقيدة الدينية لا على أساس القرابة الجسدية ، فنهتهم أن يستغفروا للمشكرين ولو كانوا أولى قربى .
هذا جانب من المقاصد الإِجمالية التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ونسأل الله - تعالى - أن يجعل القرآن ريبع قلوبنا ، وأنس نفوسنا ، وان يرزقنا الإِخلاص والتوفيق في القول والعمل .
ثم ينتقل الخطاب إلى الرسول [ ص ] يعرفه طريقه حين يتولى عنه من يتولى ، ويصله بالقوة التي تحميه وتكفيه :
( فإن تولوا فقل : حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ) .
فإليه تنتهي القوة والملك والعظمة والجاه ، وهو حسب من لاذ به وحسب من والاه .
إنه ختام سورة القتال والجهاد : الارتكان إلى الله وحده ، والاعتماد على الله وحده ، واستمداد القوة من الله وحده . .
وبعد فإن هذه السورة المحكمة تحتوى بيان الأحكام النهائية في العلاقات الدائمة بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات حوله - كما بينا في خلال عرضها وتقديمها - ومن ثم ينبغي أن يرجع إلى نصوصها الأخيرة بوصفها الكلمة الأخيرة في تلك العلاقات ؛ وأن يرجع إلى أحكامها بوصفها الأحكام النهائية المطلقة ، حسبما تدل عليها نصوص السورة . كما ينبغي ألا تقيد هذه النصوص والأحكام النهائية بنصوص وأحكام وردت من قبل - وهي التي سميناها أحكاما مرحلية - مستندين في هذه التسمية : أولا وبالذات إلى ترتيب نزول الآيات . ومستندين أخيرا إلى سير الأحداث في الحركة الإسلامية ، وإدراك طبيعة المنهج الإسلامي في هذه الحركة . . هذه الطبيعة التي بيناها في التقديم للسورة وفي ثناياها كذلك . .
وهذا هو المنهج الذي لا يدركه إلا الذين يتحركون بهذا الدين حركة جهادية لتقرير وجوده في واقع الحياة ؛ برد الناس إلى ربوبية الله وحده ، وإخراجهم من عبادة العباد !
إن هنالك مسافة شاسعة بين فقه الحركة ، وفقه الأوراق ! إن فقه الأوراق يغفل الحركة ومقتضياتها من حسابه ، لأنه لا يزاولها ولا يتذوقها ! أما فقه الحركة فيرى هذا الدين وهو يواجه الجاهلية ، خطوة خطوة ، ومرحلة مرحلة ، وموقفا موقفا . ويراه وهو يشرع أحكامه في مواجهة الواقع المتحرك ، بحيث تجيء مكافئة لهذا الواقع وحاكمة عليه ؛ ومتجددة بتجدده كذلك
وأخيرا فإن تلك الأحكام النهائية الواردة في السورة الأخيرة ؛ إنما جاءت وواقع المجتمع المسلم ، وواقع الجاهلية من حوله كذلك ، كلاهما يحتم اتخاذ تلك الإجراءات وتنفيذ تلك الأحكام . . فأما حين كان واقع المجتمع المسلم وواقع الجاهلية من حوله يقتضي أحكاما أخرى . . مرحلية . . فقد جاءت في السور السابقة نصوص وأحكام مرحلية . .
وحين يوجد المجتمع المسلم مرة أخرى ويتحرك ؛ فإنه يكون في حل من تطبيق الأحكام المرحلية في حينها . ولكن عليه أن يعلم أنها أحكام مرحلية ، وأن عليه أن يجاهد ليصل في النهاية إلى تطبيق الأحكام النهائية التي تحكم العلاقات النهائية بينه وبين سائر المجتمعات . .
وهذه{[14041]} الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، { فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } أي : الله كافيَّ ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .
{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وَقَدَره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.