المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

119- لكن الذين رحمهم الله لسلامة فِطَرِهم ، فإنهم اتفقوا على حُكم الله فيهم ، فآمنوا بجميع رسله وكتبه واليوم الآخر . ولهذه المشيئة التي اقتضتها حكمته تعالى في نظام هذا العالم ، خلقهم الله سبحانه مستعدين لهذا الثواب والعقاب ، وبهذا يتحقق وعد ربك بأنه لا بد من أن يملأ جهنم من أتباع إبليس من الجن والناس .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

قال الإِمام ابن كثير : وقوله { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } أى : إلا المرحومين من أتباع الرسل ، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين الذى أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى كان النبى - صلى الله عليه وسلم - الأمى خاتم الرسل والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه ونصروه ، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة ؛ لأنهم الفرقة الناجية ، كما جاء فى الحديث المروى فى المسانيد والسنن ، من طرق يشد بعضها بعضاً : " إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا فرقة واحدة . قالوا : ومن هم يا رسول الله ، قال : " ما أنا عليه وأصحابى " واسم الإِشارة فى قوله { ولذلك خَلَقَهُمْ } يعود على المصدر المفهوم من مختلفين قال الآلوسى : فكأنه قيل : وللاختلاف خلق الناس ، على معنى لثمرة الاختلاف من كون فريق فى الجنة وفريق فى السعير خلقهم .

واللام لام العاقبة والصيرورة ، لأن حكمة خلقهم ليس هذا ، لقوله - سبحانه - { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ولأنهم لو خلقهم له - أى للاختلاف - لم يعذبهم على ارتكاب الباطل .

. .

ومنهم من جعل الإِشارة إلى الرحمة لأنها أقرب مذكور ، فيكون التقدير : إلا من رحم ربك ولرحمته - سبحانه - خلق الناس .

وصح تذكير اسم الإِشارة مع عودته إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقى .

ومنهم من جهل الإِشارة إلى مجموع الاختلاف والرحمة ، لأنه ما مانع من الإِشارة بها إلى شيئين كما فى قوله { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } أى بين الفارض والبكر .

فيكون المعنى : " وللاختلاف والرحمة خلقهم " أى أنه - سبحانه - خلق أهل الرحمة للرحمة وأهل الاختلاف للاختلاف .

وقد رجح الإِمام القرطبى هذا الوجه فقال : قوله " ولذلك خلقهم " قال الحسن ومقاتل وعطاء :

الإِشارة إلى الاختلاف ، أى : وللاختلاف خلقهم . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك .

الإِشارة إلى الرحمة : أى : ولرحمته خلقهم .

وقيل : الإِشارة إلى الاختلاف والرحمة ، وقد يشار بذلك إلى شيئين متضادين ، كما فى قوله - تعالى - { والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } وهذا أحسن الأقوال - إن شاء الله - لأنه يعم . أى : ولما ذكر خلقهم . . أى : خلقهم ليكون فريق فى الجنة وفريق فى السعير . أى خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة . .

والمراد بكلمة ربك فى قوله - سبحانه - { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } فاللازم دخول جميع تابعيه فى جهنم ، والقرآن يفسر بعضه بعضا . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولو شاء ربك ، يا محمد ، لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة ودين واحد . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةٍ } ، يقول : لجعلهم مسلمين كلهم .

وقوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، يقول تعالى ذكره : ولا يزال الناس مختلفين ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } .

ثم اختلف أهل التأويل في الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به ، فقال بعضهم : هو الاختلاف في الأديان . فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتّى من بين يهودي ونصراني ومجوسي ، ونحو ذلك . وقال قائلو هذه المقالة : استثنى الله من ذلك من رحمهم ، وهم أهل الإيمان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى والمجوس . والحنيفية : هم الذين رحم ربك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى والمجوس ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : هم الحنيفية .

حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : قلت للحسن : قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : الناس مختلفون على أديان شتى ، { إلا من رحم ربك } ، فمن رحم غير مختلفين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

. . . قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن ، قال : سئل الحسن عن هذه الآية : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : الناس كلهم مختلفون على أديان شتّى . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فمن رحم غير مختلف . فقلت له : { ولذلك خلقهم } ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته ، وهؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .

. . . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .

قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الحقّ وأهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحق .

قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك : { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ ليس فيهم اختلاف .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا بن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : اليهود والنصارى . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل القبلة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : لا يزالون مختلفين في الهوى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فأهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : من جعله على الإسلام .

قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا الحسن بن واصل ، عن الحسن : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } .

قال : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : أهل الباطل . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : أهل الحقّ .

حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا يزالون مختلفين في الرزق ، فهذا فقير وهذا غنّى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، أن الحسن قال : مختلفين في الرزق ، سخر بعضهم لبعض .

وقال بعضهم : مختلفين في المغفرة والرحمة ، أو كما قال .

وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتّى ، { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فآمن بالله وصدّق رسله ، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله وتصديق رسله وما جاءهم من عند الله .

وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك ، لأن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله : { وَتَمّتْ كِلمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ } ، ففي ذلك دليل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس ، إنما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار ، ولو كان خبرا عن اختلافهم في الرزق لم يعقب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم .

وأما قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : وللاختلاف خلقهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للاختلاف .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، قال : قلت للحسن : { ولذلك خلقهم } ؟ فقال : خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عليه ، عن منصور ، عن الحسن ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا المعلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الحسن . بنحوه .

قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن خالد الحذّاء ، أن الحسن قال في هذه الآية : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلق هؤلاء لهذه ، وخلق هؤلاء لهذه .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرّهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلقهم فريقين : فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يَرْحم يختلف ، وذلك قوله : { فَمِنْهُمْ شَقيّ وَسَعِيدٌ } .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ، قال : يهود ونصارى ومجوس . { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، قال : من جعله على الإسلام . { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : مؤمن وكافر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : سئل مالك عن قول الله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : خلقهم ليكونوا فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وللرحمة خلقهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة .

حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال للرحمة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو حفص ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : للرحمة خلقهم .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة خلقهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عمن ذكره عن ثابت ، عن الضحاك : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : للرحمة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، قال : أهل الحقّ ومن اتبعه لرحمته .

حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ } ، قال : للرحمة خَلَقَهُمْ ولم يخلقهم للعذاب .

وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم ؛ لأن الله جلّ ذكره ذكر صنفين من خلقه : أحدهما : أهل اختلاف وباطل ، والآخر : أهل حقّ ، ثم عقب ذلك بقوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، فعمّ بقوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، صفة الصنفين ، فأخبر عن كلّ فريق منهما أنه ميسر لما خلق له .

فإن قال قائل : فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت ، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم ، إن كان لذلك خلقهم ربهم ، وأن يكون المتمتعون هم الملومين ؟ قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت ، وإنما معنى الكلام : ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم { إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ } ، فهداه للحقّ ولعلمه ، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر ، والشقّي والسعيد ، خلقهم ، فمعنى اللام في قوله : { وَلذلكَ خَلَقَهُمْ } ، بمعنى : «على » ، كقولك للرجل : أكرمتك على برّك بي ، وأكرمتك لبرّك بي .

وأما قوله : { وَتمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ } ، لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صِلِيّها بكفرهم بالله ، وخلافهم أمره . وقوله : { وَتمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ } ، قسم كقول القائل : حلفى لأزورنك ، وبدا لي لآتينك ، ولذلك تُلُقَِّيت بلام اليمين .

وقوله : { مِنَ الجِنّةِ } ، وهي : ما اجتنّ عن أبصار بني آدم والناس ، يعني : وبني آدم . وقيل : إنهم سموا جنة ، لأنهم كانوا على الجنان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك : وإنما سموا الجنة أنهم كانوا على الجنان ، والملائكة كلهم جِنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، قال : الجِنّة : الملائكة .

وأما معنى قول أبي مالك هذا : إن إبليس كان من الملائكة ، والجنّ ذرّيته ، وأن الملائكة تسمى عنده الجنّ ، لما قد بيّنت فيما مضى من كتابنا هذا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

{ إلا من رحم ربك } إلا ناسا هداهم الله من فضله فاتفقوا على ما هو أصول دين الحق والعمدة فيه . { ولذلك خلقهم } إن كان الضمير ل { الناس } فلإشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة أو إليه وإلى الرحمة ، وإن كان لمن فإلى الرحمة . { وتمّت كلمة ربك } وعيد أو قوله للملائكة . { لأملأن جهنم من الجِنّة والناس } أي من عصاتهما { أجمعين } أو منهما أجمعين لا من أحدهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

وقوله : { ولذلك خلقهم } اختلف فيه المتأولون ، فقالت فرقة : ولشهود اليوم المشهود - المتقدم ذكره- خلقهم ، وقالت فرقة : ذلك إشارة إلى قوله - قبل - { فمنهم شقي وسعيد } [ هود : 105 ] أي لهذا خلقهم .

قال القاضي أبو محمد : وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد ؛ وروى أشهب عن مالك أنه قال : ذلك إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير .

قال القاضي أبو محمد : فجاءت الإشارة بذلك إلى الأمرين : الاختلاف والرحمة وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري ، ويجيء - عليه - الضمير في { خلقهم } للصنفين ، وقال مجاهد وقتادة ذلك عائد على الرحمة التي تضمنها قوله : { إلا من رحم } ، أي وللرحمة خلق المرحومين ، قال الحسن ، وذلك إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله : { ولا يزالون مختلفين } .

قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا بأن يقال : كيف خلقهم للاختلاف ؟ وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم ؟ فالوجه في الانفصال أن نقول : إن قاعدة الشرع أن الله عز وجل خلق خلقاً للسعادة وخلقاً للشقاوة ، ثم يسر كلاًّ لما خلق له ، وهذا نص في الحديث الصحيح{[6540]} وجعل بعد ذلك الاختلاف في الدين على الحق هو أمارة الشقاوة وبه علق العقاب ، فيصح أن يحمل قوله هنا{[6541]} وللاختلاف خلقهم : أي لثمرة الاختلاف وما يكون عنه من الشقاوة . ويصح أن يجعل اللام في قوله : { ولذلك } لام الصيرورة أي وخلقهم ليصير أمرهم إلى ذلك ، وإن لم يقصد بهم الاختلاف .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى قوله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }{[6542]} أي لآمرهم بالعبادة ، وأوجبها عليهم{[6543]} ، فعبر عن ذلك بثمرة الأمر ومقتضاه .

وقوله ، { وتمت كلمة ربك } أي نفذ قضاؤه وحق أمره ، واللام في { لأملأن } لام قسم إذ «الكلمة » تتضمن القسم{[6544]} . و «الجن » جمع لا واحد له من لفظه وهو من أجن إذا ستر و «الهاء » في { بالجنة } للمبالغة . وإن كان الجن يقع على الواحد فالجنة جمعه{[6545]} .


[6540]:- مص الحديث كما رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، وعن عمران بن حصين (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، وهو حديث صحيح، قال ذلك الإمام السيوطي في "الجامع الصغير"، هذا وقد رواه البخاري في تفسيره سورة (الليل) وفي أماكن أخرى كثيرة، ومسلم في القدر، وابن ماجه في المقدمة، والترمذي في القدر، والإمام أحمد في أكثر من موضع مسنده، واللفظ كما جاء في البخاري عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتّكل؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر)، ثم قرأ: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} إلى قوله: {للعسرى}.
[6541]:- أي قول الحسن رضي الله عنه، لأن الكلام في دفع اعتراض ورد على رأيه.
[6542]:- من الآية (56) من سورة (الذاريات).
[6543]:- يريد أن يقول: إنه لا تعارض بين كون اللام في قوله: (ولذلك) للصيرورة وبين قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، لأن هذه الآية يراد بها الأمر بالعبادة.
[6544]:- فهي كقوله تعالى: {وإذا أخذ الله ميثاق النبيين} ثم قوله: {لتؤمنن به}.
[6545]:- وهذا مما يكون فيه الواحد بغير هاء والجمع بالهاء كقول بعض العرب: (كمؤ) للواحد و(كمأة) للجمع. قاله في "البحر المحيط".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (119)

لمّا أشعر الاختلاف بأنه اختلاف في الدّين ، وأنّ معناه العدول عن الحق إلى الباطل ، لأنّ الحق لا يقبل التعدّد والاختلاف ، عُقّب عموم { ولا يزالون مختلفين } باستثناء من ثبتوا على الدين الحق ولم يخالفوه بقوله : { إلاّ من رحم ربك } ، أي فعصمهم من الاختلاف .

وفهم من هذا أنّ الاختلاف المذموم المحذّر منه هو الاختلاف في أصول الدّين الذي يترتّب عليه اعتبار المخالف خارجاً عن الدين وإن كان يزعم أنّه من مُتّبعيه ، فإذا طرأ هذا الاختلاف وجب على الأمّة قصمه وبذل الوسع في إزالته من بينهم بكلّ وسيلة من وسائل الحقّ والعدل بالإرشاد والمجادلة الحسنة والمناظرة ، فإنْ لم ينجع ذلك فبالقتال كما فعل أبو بكر في قتال العرب الذين جحدوا وجوب الزكاة ، وكما فعل عليّ كرّم الله وجهه في قتال الحروريّة الذين كفّروا المسلمين . وهذه الآية تحذير شديد من ذلك الاختلاف .

وأما تعقيبه بقوله : { ولذلك خلقهم } فهو تأكيد بمضمون { ولا يزالون مختلفين } . والإشارة إلى الاختلاف المأخوذ من قوله : { مختلفين } ، واللاّم للتعليل لأنّه لمّا خلقهم على جِبِلّة قاضية باختلاف الآراء والنزعات وكان مريداً لمقتضى تلك الجبلّة وعالماً به كما بيّناه آنفاً كان الاختلاف علّة غائية لخلقهم ، والعلّة الغائية لا يلزمها القصر عليها بل يكفي أنها غاية الفعل ، وقد تكون معها غايات كثيرة أخرى فلا ينافي ما هنا قولُه : { وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] لأنّ القصر هنالك إضافيّ ، أي إلاّ بحالة أن يعبدوني لا يشركوا ، والقصر الإضافي لا ينافي وجود أحوال أخرى غير ما قُصدَ الردّ عليه بالقصر كما هو بيّن لمن مارس أساليب البلاغة العربية .

وتقديم المعمول على عامله في قوله : { ولذلك خلقهم } ليس للقصر بل للاهتمام بهذه العلّة ، وبهذا يَندفع ما يوجب الحيرة في التفسير في الجمع بين الآيتين .

ثم أعقب ذلك بقوله : { وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنم من الجِنّة والنّاس أجمعين } لأنّ قوله : { إلاّ من رحم ربّك } يؤذن بأنّ المستثنى منه قوم مختلفون اختلافاً لا رحمة لهم فيه ، فهو اختلاف مضاد للرحمة ، وضدّ النعمة النقمة فهو اختلاف أوجب الانتقام .

وتمام كلمة الرب مجاز في الصّدق والتحقّق ، كما تقدّم عند قوله تعالى : { وتمّت كلمات ربّك صدقاً وعدلاً } في سورة [ الأنعام : 115 ] ، فالمختلفون هم نصيب جهنم .

والكلمة هنا بمعنى الكلام . فكلمة الله : تقديره وإرادته . أطلق عليها كلمة } مجازاً لأنّها سبب في صدور كلمة ( كن ) وهي أمر التكوين . وتقدّم تفصيله في قوله تعالى : { وتمّت كلمات ربّك صدقاً وعدلاً } في سورة [ الأنعام : 115 ] .

وجملة { لأملأنّ جهنّم } تفسير للكلمة بمعنى الكلام . وذلك تعبير عن الإرادة المعبّر عنها بالكلام النفسي .

ويجوز أن تكون الكلمة كلاماً خَاطَبَ به الملائكةَ قبل خلق الناس فيكون { لأمْلأنّ جهنّم } تفسيراً ل { كلمة } .

و { من الجِنّة والنّاس } تبعيض ، أي لأمْلأن جهنم من الفريقين . و { أجمعين } تأكيد لشمول تثنية كِلا النوعين لاَ لِشُمُول جميع الأفراد لمنافاته لمعنى التبعيض الذي أفادته { من } .