تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (57)

{ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم } ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، قالت له بنو إسرائيل وهم في التيه : كيف لنا بالأبنية ، وقد نزلنا في القفر ، وخرجنا من العمران ، من حر الشمس ، فظلل الله عز وجل عليهم الغمام الأبيض يقيهم حر الشمس ، ثم إنهم سألوا موسى ، عليه السلام ، الطعام ، فأنزل الله عليهم طعام الجنة ، وهو { المن والسلوى } ، أما المن ، فهو الترنجبين ، فكان ينزل بالليل على شجرهم أبيض كالثلج ، حلو مثل العسل ، فيغدون عليه كل إنسان صاع لكل ليلة ، فيغدون عليه فيأخذون ما يكفيهم ليومهم ، ذلك لكل رجل صاع ، ولا يرفعون منه في غد ، ويأخذون يوم الجمعة ليومين ، لأن السبت كان عندهم لا يشخصون فيه ولا يعملون ، كان هذا لهم في التيه ، وتنبت ثيابهم مع أولادهم ، فأما الرجال ، فكانت ثيابهم عليهم لا تبلى ولا تنخرق ولا تدنس .

وأما السلوى ، فهو الطير ، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في التيه ، فسأل موسى ربه عز وجل ، فقال الله : لأطعمنهم أقل الطير لحما ، فبعث الله سبحانه السماء ، فأمطرت لهم السلوى وهي السمانا ، وجمعتهم ريح الجنوب ، وهي طير حمر تكون في طريق مصر ، فأمطرت قدر ميل في عرض الأرض ، وقدر رمح في السماء بعضه على بعض ، فقال الله عز وجل لهم : { كلوا من طيبات } ، يعني من حلال ، كقوله : { فتيمموا صعيدا طيبا } ( المائدة : 6 ) ، يعني حلالا طيبا في غير مأثم ، وإذا وجدوا الماء فهو حرام ، فمن ثم قال : { طيبا } ، يعني حلالا من { ما رزقناكم } من السلوى ، ولا تطغوا فيه ، يعني تعصوا الله في الرزق فيما رزقكم ، ولا ترفعوا منه لغد ، فرفعوا وقددوا مخافة أن ينفذ ، ولو لم يفعلوا لدام لهم ذلك فقددوا منه ورفعوا فدود وتغير ما قدروا منه وما رفعوا فعصوا ربهم ، فذلك قوله سبحانه : { وما ظلمونا } ، يعني وما ضرونا ، يعني ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئا حين رفعوا وقددوا منه في غد ، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } يعني أنفسهم يضرون نظيرها في الأعراف قوله سبحانه : { من طيبات ما رزقناكم } ( الأعراف : 160 ) إلى آخر الآية .