الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (57)

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ } في التيه تقيكم حرّ الشمس ، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك الى موسى ، فأنزل الله عليهم غماماً أبيضاً رقيقاً وليس بغمام المطر بل أرقّ وأطيب وأبرد والغمام : ما يغمّ الشيء أي يستره وأظلّهم فقالوا : هذا الظّل قد جعل لنا فأين الطعام ، فأنزل الله عليهم المنّ .

واختلفوا فيه ، فقال مجاهد : وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد .

الضحّاك : هو الطرنجبين .

وقال وهب : الخبز الرّقاق . السدي : عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه .

عكرمة : شيء أنزله الله عليهم مثل الزّيت الغليظ ، ويقال : هو الزنجبيل .

وقال الزجاج : جملة المنّ ما يمنّ الله مما لا تعب فيه ولا نصب .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الكماة من المنّ وماءوها شفاء للعين " .

وكان ينزل عليهم هذا المنّ كل ليلة تقع على أشجارهم مثل الملح ، لكلّ إنسان منهم صاع كل ليلة قالوا يا موسى : مللنا هذا المنّ بحلاوته ، فادع لنا ربّك أن يطعمنا اللحم ، فدعا عليه السلام ، فأنزل الله عليهم السلوى .

واختلفوا فيه ، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين : هو طائر يشبه السّماني .

أبو العالية ومقاتل : هو طير أحمر ، بعث الله سحابة فمطرت ذلك الطير في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضه على بعض .

عكرمة : طير يكون بالهند أكبر من عصفور ، المؤرّخ : هو [ المعسل ] بلغه كنانه .

وقال شاعرهم :

وقاسمها بالله حقّاً لأنتم *** الّذّ من السلوى إذا ما نشورها

وكان يرسل عليهم المنّ والسلوى ، فيأخذ كل واحد منه ما يكفيه يوماً وليلة ، وإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين لأنّه لم يكن ينزل إليهم يوم السبت ، فذلك قوله : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ } أي وقلنا لهم كلوا . { مِن طَيِّبَاتِ } حلالات . { مَا رَزَقْنَاكُمْ } ولا تدّخروا لغد فخبأوا لغد فقطع الله عزّ وجلّ ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروا ، فذلك قوله عزّ وجلّ { وَمَا ظَلَمُونَا } ضرّونا بالمعصية . { وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يضرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزّل عليهم بلا كلفة ولا مؤونة ، ولا مشقّة في الدنيا ، ولا تبعه ولا حساب في العقبى .

خلاس بن عمرو عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا بني إسرائيل لم يخنز الطعام ولم يخبث اللّحم ، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها " .