الأولى : قوله تعالى : " وظللنا عليكم الغمام " أي جعلناه عليكم كالظلة . والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش سعيد . قال الفراء : ويجوز غمائم وهي السحاب ؛ لأنها تغم المساء أي تسترها ، وكل مغطى فهو مغموم ، ومنه المغموم على عقله . وغم الهلال إذا غطاه الغيم والغين مثل الغيم ومنه قول عليه السلام : ( إنه ليغان على قلبي ) قال صاحب العين : غين عليه غطى عليه والغين شجر ملتف . وقال السدي : الغمام السحاب الأبيض وفعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا وينجلي في آخره ليستضيؤوا بالقمر ليلا .
وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين وقتالهم . وقالوا لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا{[774]} " [ المائدة : 24 ] فعوقبوا في ذلك الفحص{[775]} أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ أو ستة ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس . وإذا كانوا بأجمعهم في التيه قالوا لموسى : من لنا بالطعام فأنزل الله عليهم المن والسلوى قالوا : من لنا من حر الشمس ، فظلل عليهم الغمام . قالوا : فبم نستصبح ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم . وذكر مكي : عمود من نار قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر قالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان والله أعلم .
الثانية : قوله تعالى : " وأنزلنا عليكم المن والسلوى " اختلف في المن ما هو وتعيينه على أقوال فقيل : الترنجبين{[776]} - بتشديد الراء وتسكين النون ذكره النحاس . ويقال : الطرنجبين بالطاء - وعلى هذا أكثر المفسرين . وقيل : صمغة حلوة . وقيل : عسل ، وقيل شراب حلو . وقيل : خبز الرقاق عن وهب بن منبه وقيل : " المن " مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ( الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين ) في رواية ( من المن الذي أنزل الله على موسى ) . رواه مسلم . قال علماؤنا : وهذا الحديث يدل على أن الكمأة مما أنزل الله على بني إسرائيل أي مما خلقه الله لهم في الآية . قال أبو عبيد : إنما شبهها بالمن ؛ لأنه لا مؤونة فيها ببذر ولا سقي ولا علاج ، فهي منه أي من جنس مَن بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف روي أنه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج ، فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه فإن ادخر منه شيئا فسد عليه إلا في يوم الجمعة ، فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم ؛ لأن يوم السبت يوم عبادة وما كان ينزل عليهم يوم السبت شيء .
الثالثة : لما نص عليه السلام على أن ماء الكمأة شفاء للعين قال بعض أهل العلم بالطب : أما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة فتستعمل بنفسها مفردة ، وأما لغير ذلك فمركبة مع غيرها . وذهب أبو هريرة رضي الله عنه إلى استعمالها بحتا في جميع مرض العين . وهذا كما استعمل أبو وجزة العسل في جميع الأمراض كلها حتى في الكحل على ما يأتي بيانه في سورة " النحل{[777]} " إن شاء الله تعالى ، وقال أهل اللغة : الكمء واحد وكمآن اثنان وأكمؤ ثلاثة ، فإذا زادوا قالوا كمأة - بالتاء - على عكس شجرة وشجر . والمن اسم جنس لا واحد له لفظه مثل الخير والشر . قاله الأخفش .
الرابعة : قوله تعالى : " والسلوى " اختلف في السلوى فقيل : هو السماني بعينه ، قاله الضحاك . قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي{[778]} فقال :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم *** ألذ من السلوى إذا ما نَشُورُهَا
قلت : ما ادعاه من الإجماع لا يصح ، وقد قال المؤرج{[779]} أحد علماء اللغة والتفسير : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة سمي به ؛ لأنه يسلى به ومنه عين السلوان{[780]} ، وأنشد :
لو أشرب السلوان ما سَليتُ *** ما بي غنى عنك وإن غنيت{[781]}
وقال الجوهري : والسلوى العسل وذكر بيت الهذلي :
ولم يذكر غلطا ، والسلوانة ( بالضم ) : خرزة ، كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربه العاشق سلا قال :
شربتُ على سُلوانةٍ ماءَ مُزْنَةٍ *** فلا وجديد العيش ياميّ ما أسلو
واسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم : السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو ، والأطباء يسمونه المفرح يقال : سليت وسلوت لغتان . وهو في سلوة من العيش أي في رغد عن أبى زيد .
الخامسة : واختلف في السلوى هل هو جمع أو مفرد ؟ فقال الأخفش : جمع لا واحد له من لفظه ، مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى مثل جماعته كما قالوا : دفلى{[782]} للواحد والجماعة ، وسمانى وشكاعى{[783]} في الواحد والجميع . وقال الخليل : واحده سلواة وأنشد :
وإني لتعروني لذكرك هِزَّةٌ{[784]} *** كما انْتَفَضَ السَّلواةُ من بَلَلِ القَطْرِ
وقال الكسائي : السلوى واحدة وجمعه سلاوى .
السادسة : " السلوى " عطف على " المن " ولم يظهر فيه الإعراب لأنه مقصور ووجب هذا في المقصور كله ؛ لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف . قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له فأشبه الحركة فاستحالت حركته . وقال الفراء : لو حركت الألف صارت همزة .
السابعة : قوله تعالى : " كلوا من طيبات ما رزقناكم " " كلوا " فيه حذف تقديره وقلنا كلوا فحذف اختصار الدلالة الظاهر عليه والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ .
قوله تعالى : " وما ظلمونا " يقدر قبله فعصوا ، ولم يقابلوا النعم بالشكر " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " لمقابلتهم النعم بالمعاصي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.