فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (57)

قوله : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام } أي : فعلناه كالظلة ، والغمام جمع غمامة كسحابة ، وسحاب ، قاله الأخفش : قال الفراء ويجوز غمائم . وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين . والمنّ : قيل هو : الترنجبين . قال النحاس : هو بتشديد الراء ، وإسكان النون ، ويقال : الطرَّنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين ، وهو : طلٌّ ينزل من السماء على شجر ، أو حجر ، ويحلو ، وينعقد عسلاً ، ويجفّ جفاف الصمغ ، ذكر معناه في القاموس ، وقيل إن المنّ العسل ، وقيل شراب حلو ، وقيل خبز الرقاق ، وقيل إنه مصدر يعمّ جميع ما مَنَّ الله به على عباده ، من غير تعب ، ولا زرع ، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ، ومسلم ، من حديث سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أن الكمأة من المنّ الذي أنزل على موسى » وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد ، والترمذي ، ومن حديث جابر ، وأبي سعيد ، وابن عباس عند النسائي . والسلوى : قيل هو : السُمَاني ، كحبارى ، طائر يذبحونه ، فيأكلونه . قال ابن عطية : السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي فقال :

وقاسمهما بالله جَهْداً لأنتُما *** ألذُّ من السَلوى إذا ما أشورها

ظنّ أن السلوى العسل . قال القرطبي : ما ادعاه من الإجماع لا يصح . وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة ، والتفسير : إنه العسل . واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة ، وأنشد :

لو شربت السُّلوان ما سلوت *** ما بي غنا عنك وإن غنيت

وقال الجوهري : والسلوى العسل . قال الأخفش : السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشرّ ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى . وقال الخليل : واحده سلواة ، وأنشد :

وإني لتعروني لذكراك سلوة *** كما انتفض السلواة من سلكه القطر

وقال الكسائي : السلوى واحدة ، وجمعه سلاوى . وقوله : { كلوا } أي : قلنا لهم كلوا ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : قلنا كلوا فعصوا ، ولم يقابلوا النعم بالشكر ، فظلموا أنفسهم ، وما ظلمونا ، فحذف هذا لدلالة { ولكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } عليه ، وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص .

/خ57