قوله تعالى : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } : تقديرُه : وجَعَلْنا الغَمَامَ يُظَلِّلُكُمْ ، قال أبو البقاء : " ولا يكونُ كقولِك : " ظَلَّلْتُ زيداً يُظَلُّ " لأن ذلك يقتضي أن يكونَ الغمامُ مستوراً بظِلٍّ آخَرَ " وقيل : التقديرُ : بالغَمامِ ، وهذا تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ ، لأنَّ حَذْفَ حرفِ الجرِّ لا ينقاسُ .
والغَمامُ : السَّحابُ لأنه يَغُمُّ وجهَ السماء ، أي يستُرُها ، وكلُّ مستورٍ مغموم أي مُغَطَّى ، وقيل : الغمامُ : السحابُ الأبيضُ خاصةً ، ومثلُه الغَيْمُ والغَيْن بالميم والنونِ ، وفي الحديثِ " إنه لَيُغَانُ على قَلْبِي " ، وواحدتُه غَمامةٌ فهو اسمُ جنسٍ .
والمَنُّ قيل : هو التَّرَّنْجِبين والطَّرَّنْجِيِِن بالتاء والطاء ، وقيل : هو مصدرٌ يعني به جميعَ ما منَّ الله تعالى به على بني إسرائيل من النِّعَمِ ، وكذلك قِيل في السَّلْوى ، إنها مصدرٌ أيضاً ، أي : إنَّ لهم بذلك التَّسَلِّيَ ، نقلَه الراغبُ ، والمَنُّ أيضاً مِقْدارٌ يُوزَنُ به ، وهذا يجوزُ إبدالُ نونِه الأخيرةِ حرفَ علَّة ، فيقالُ : " مَنا " مثلَ عَصا ، وتثنيتُه مَنَوان ، وجمعُه أمْناء . والسَّلْوى المشهورُ أنها السُّمانَى بتخفيفِ الميمِ ، طائرٌ معروف . والمَنُّ لا واحدَ له من لفظِه ، والسَّلْوى مفردُها سَلْواة ، وأنشدوا :
479- وإني لَتَعْروني لِذِكْراكِ سَلْوَةٌ *** كما انتفضَ السَّلْواةُ مِنْ بَلَلِ القَطْرِ
فيكونُ عندَهم من باب : قمح وقمحة ، وقيل : " سَلْوى " مفردٌ وجمعُها سَلاوى ، قاله الكسائي ، وقيل : سَلْوى يُستعمل للواحدِ والجمعِ ، كدَقَلى وشُكاعى وقيل : السَّلْوى : العَسَلُ ، قال الهذلي :
وقاسَمَها بالله جَهْداً لأنتمُ *** أَلَذُّ من السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها
وغَلَّطه ابنُ عطية ، وادَّعَى الإِجماعَ على أن السَّلْوى طائر ، وهذا غيرُ مُرْضٍ من القاضي أبي محمد ، فإن أئمةَ اللغةِ نقلوا أن السَّلْوَى العَسَلُ ، ولم يُغْلِّطوا هذا الشاعرَ ، بل يستشهدونَ بقولِه .
قوله : " كُلُوا " هذا على إضمار القَوْلِ ، أي : وقُلْنَا لهم : كُلوا : وإضمارُ القولِ كثيرٌ في لسانِهم ، ومنه : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23-24 ] أي : يقولونَ سلامٌ ، " والذينَ اتَّخَذوا من دونِهِ أولياءَ ما نعبدُهم إلا " أي : يقولون ذلك ، " وأمَّا الذين اسْوَدَّتْ وجوهُهم أَكَفَرْتم أي : فيُقال لهم ذلك وقد تقدَّم القولُ في " كل " وتصريفِه .
قوله : { مِن طَيِّبَاتِ } " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ أو للتبعيضِ ، وقال أبو البقاء : " أو لبيانِ الجنسِ والمفعولُ محذوفٌ أي : كُلوا شيئاً من طيبات " وهذا غيرُ مُرْضٍ ، لأنه كيف يُبَيَّنُ شيءٌ ثم يُحْذَفُ ؟
قوله : { مَا رَزَقْنَاكُمْ } يجوزُ في " ما " أن تكونَ بمعنى الذي ، وما بعدها صلةٌ لها والعائدُ محذوفٌ ، أي : رزقناكموه ، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً . فالجملةُ لا محلَّ لها على الأولِ ومحلُّها الجرُّ على الثاني ، والكلامُ في العائدِ كما تقدَّم ، وأن تكونَ مصدريةً والجملةُ صلتُها ، ولم يُحْتَجْ إلى عائدٍ على ما عُرِفَ قبلَ ذلك ، ويكونُ هذا المصدرُ واقعاً موقعَ المفعولِ ، أي : مِنْ طيباتِ مَرْزُوقِنا .
قوله تعالى : { أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } " أنفسَهم " مفعولٌ مقدَّمٌ ، و " يَظْلِمُون " في محلِّ النصْبِ لكونِه خبرَ " كانوا " ، وقُدِّم المفعولُ إيذاناً باختصاصِ الظلم بهم وأنَّه لا يتعدَّاهم . والاستدراكُ في " لكنْ " واضحٌ . ولا بُدَّ من حَذْفِ جملةٍ قبل قوله { وَمَا ظَلَمُونَا } ، فقدَّره ابنُ عطية : فَعَصَوْا ولم يقابلوا النِّعَمَ بالشكر . وقال الزمخشري : " تقديرُه : فَطَلمُونا بأَنْ كفروا هذه النِّعَمَ وما ظلمونا ، فاختصرَ الكلامَ بحذْفِه لدلالةِ { وَمَا ظَلَمُونَا } عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.