النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (57)

قوله عز وجل : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ } :

والغمام : هو ما غَمَّ السماء ، فغطَّاها من سحاب وقتام ، وكلُّ مُغَطى فهُو غمام ، ومنه : غُمَّ الهلال ، أي غطاه الغَيْمُ .

وفي الغمام الذي ظلله الله عليهم تأويلان :

أحدهما : أنه السحابة ، وهو قول ابن عباس .

والثاني : أنه الذي أتى الملائكة في يوم بدر ، مثل قوله تعالى :

{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ منَ الْغَمَامِ }

[ البقرة : 210 ] وهذا قول مجاهد .

قوله عز وجل : { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوَى } فيه سبعة أقاويل :

أحدها : أن المنَّ ما سقط على الشجر فيأكله الناس ، وهو قول ابن عباس .

الثاني : أن المنَّ صمغة ، وهو قول مجاهد .

والثالث : أن المنَّ شرابٌ ، كان ينزل عليهم يشربونه بعد مزجِهِ بالماء ، وهو قول الربيع بن أنس .

والرابع : أن المنَّ عسل ، كان ينزل عليهم ، وهو قول ابن زيدٍ .

والخامس : أن المن الخبز الرقاق ، هو قول وهب .

والسادس : أنه الزنجبيل ، وهو قول السدي .

والسابع : أنه الترنجين{[123]} .

وفي السلوى قولان :

أحدهما : أنه السماني .

والثاني : أنه طائر يشبه السماني كانت تحشره عليهم الريح الجنوب ، وهذا قول ابن عباس ، واشتقاقه من السلو ، كأنَّه يسَلِّي عن غيره .

قال ابن جريج : كان الرجل منهم إن أخذ من المنِّ والسلوى زيادة على طعام يوم واحدٍ فسد ، إلا يومَ الجمعة ، فإنهم كانوا إذا أخذوا طعامَ يومَيْنِ لم يفسد{[124]} .

وفي قوله عز وجل : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثلاثة تأويلاتٍ :

أحدها : الشَّهيَّات اللذيذة .

والثاني : أنه الحلال .

والثالث : أنها المباح .


[123]:- الترنجين: طل يقع من السماء، وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب (من المفردات لابن البيطار).
[124]:- لأنهم في اليوم التالي وهو السبت ويتفرغون للعبادة.