وذكر المفسِّرون في تظليل الغمامِ ، أنَّ بني إِسرائيل لما كان من أمرهم ما كان من القتل ، وبقي منهم من بقي ، حصلوا في فحص التِّيه بَيْن مصْر والشَّام ، فأُمِرُوا بقتال الجَبَّارين فَعَصَوْا ، وقالوا : { فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } [ المائدة : 24 ] فدعا موسى عليهم ، فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحْص أربعين سَنَةً ، يتيهون في مقدارِ خَمْسَة فراسِخَ أو ستَّةٍ ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كلَّه ، وينزلون للمبيت ، فيصبحون حيثُ كانوا بكرةَ أَمْسِ ، فندم موسى على دعائه علَيْهم ، فقيل له : { فلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين } [ المائدة : 26 ] .
وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التِّيه ، ونشأ بنوهم على خير طاعة ، فهم الذين خرجوا من فحْصِ التيه ، وقاتلوا الجَبَّارين ، وإذ كان جميعُهم في التيه ، قالوا لموسى : من لنا بالطعامِ ؟ قال : اللَّه ، فأنزل اللَّه عليهم المَنَّ والسلوى ، قالوا : مَنْ لنا من حَرِّ الشمس ؟ فظلَّل عليهم الغمامَ ، قالوا : بِمَ نستصْبِحُ بالليل ، فضَرَبَ لهم عمودَ نُورٍ في وَسَطَ مَحَلَّتهم ، وذكر مكِّيٌّ عمود نار ، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحَجَرِ ، قالوا : من لنا باللباس ؟ فَأُعْطُوا أنَّ لا يبلى لهم ثوبٌ ، ولا يَخْلَقَ ، ولا يَدْرَنَ ، وأن تنمو صِغَارُهَا حَسَب نُمُوِّ الصبيانِ ، والمَنُّ صَمْغَةٌ حُلْوَةٌ هذا قول فرقةٍ ، وقيل : هو عسل ، وقيل : شراب حُلْوٌ ، وقيل : الذي ينزل اليوْمَ على الشجَر ، وروي أنَّ المَنَّ كان ينزل عليهم من طُلُوع الفَجْر إلى طُلُوع الشمس ، كالثلج فيأخذ منه الرجُلُ ما يكفيه ليومه ، فإِنِ ادَّخَرَ فسد عليه إِلا في يوم الجمعة ، فإِنهم كانوا يدَّخرون ليوم السبْتِ فلا يفسد عليهم ، لأن يوم السبت يومُ عبادةٍ ، والسلوى طيرٌ بإِجماع المفسِّرين ، فقيل : هو السُّمَّانا .
وقيل : طائر مثل السُّمَّانَا ، وقيل : طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجَنُوب .
( ص ) قال ابن عطيَّة : وغلط الهُذَلِيُّ في إِطلاقه السلوى على العَسَلِ حيث قال : [ الطويل ]
وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ عَهْداً لأنْتُمُ *** أَلَذُّ مِنَ السلوى إِذَا مَا نَشُورُهَا
( ت ) قد نقل صاحبُ المختصر ، أنه يطلق على العَسَلِ لغةً فلا وجه لتغليطه ، لأنَّ إِجماع المفسِّرين لا يمنع من إِطلاقِهِ لغةً بمعنى آخر في غير الآية . انتهى .
وقوله تعالى : { كُلُواْ . . . } [ البقرة :57 ] .
معناه وقلنا : كلوا ، فحذف اختصارا لدلالة الظاهرة عليه ، والطَّيِّبَاتُ ، هنا جَمَعَتِ الحلال واللذيذ .
( ص ) وقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا }[ البقرة :57 ] قدَّر ابن عطية قبل هذه الجملةِ محذوفًا أي : فَعَصوْا ، وما ظَلَمُونا وقدَّر غيره : فظَلَمُوا ومَا ظَلَمُونَا ، ولا حاجَة إِلى ذلك ، لأن ما تقدَّم عنهم من القبائِح يُغْنِي عنه انتهى .
( ت ) وقول أبي حَيَّان : لا حاجة إلى هذا التقديرإِلى آخره : يُرَدُّ بأن المحذوفاتِ في الكلام الفصيحِ هذا شأنها ، لا بد من دليل في اللفظ يدلُّ عليها إلا أنه يختلف ذلك في الوضوحِ والخفاءِ ، فأما حذف ما لا دليل عليه ، فإِنه لا يجوزُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.