غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا} (19)

1

{ ومن أراد الآخرة } بأن يعقد بها همته ويتجافى عن دار الغرور { وسعى لها سعيها } أي حق السعي لأجلها وذلك أن يكون العمل الذي يتوسل به إلى الفوز بثواب الآخرة من جملة القرب والطاعات وعلى قوانين الشرع والعقل لا البدعة والهوى { وهو مؤمن } لأن شيئاً من صور الأعمال الصالحة لا يوجب الثواب إلا بعد تقديم الإيمان { فأولئك كان سعيهم مشكوراً } قال العلماء : الشكر عبارة عن مجموع أمور ثلاثة : اعتقاد كونه محسناً في تلك الأعمال ، والثناء عليه بالقول ، والإتيان بأفعال تدل على كونه معظماً عند ذلك الشاكر . والله سبحانه تعالى ، يعامل المطيعين بهذه الأمور الثلاثة لأنه يعلم كونهم محسنين في تلك الأعمال وأنه يثنى عليهم بكلامه ويعاملهم المعاملات الدالة على كونهم معظمين عند الله .

وفي قوله : { من كان يريد العاجلة } دون أن يقول : " من أراد العاجلة " كما قال : { ومن أراد الآخرة } إشارة إلى أن مريد نفع الدنيا لا يكون مذموماً إلا إذا كان غالباً في ذلك ثابت القدم فسيح الأمل ، ومريد الآخرة يكون محموداً بأدنى التفاتة بعد وجود الشرط . قالت الأشاعرة : إن مجموع القدرة مع الداعي هو الموجب للفعل ونحن نشكر الله على الإيمان لأنه أعطى القدرة والداعية ، ولكنه حين حصل الإيمان للعبد واستتبع السعادات الباقية صار العبد أيضاً مشكوراً ، ولا منافاة بين الأمرين . وقالت المعتزلة : نحن لا نشكر الله على الإيمان لأن المدح على عمل لم يعمله الممدوح قبيح . قال تعالى : { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } ولكنا نشكره على ما أعطانا من القدرة والعقل وإنزال الكتب وإيضاح الدلائل . واعلم أنه تعالى ذكر صنفين من الناس : قاصد خيرات الدنيا وقاصد خيرات الآخرة . وههنا ثلاثة أقسام أخر : الأوّل أن يكون طلب الآخرة في عمله راجحاً فقيل إنه غير مقبول أيضاً لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حكاية عن رب العزة : " أنا أغنى الأغنياء عن الشكر من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه " وقيل : يعارض المثل بالمثل ويبقى القدر الزائد داعية خالصة لطلب الآخرة فيقع في حيز القبول . الثاني أن يكون طلب الدنيا وطلب الآخرة متعادلين . الثالث أن يكون طلب الدنيا راجحاً . واتفقوا على أن هذين القسمين أيضاً لا يقبلان إلا أنهما على كل حال خير من الرياء المحض .

/خ21