{ واخفض لهما جناح الذل } ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين : الأول أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحيه فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك في حال صغرك . والثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد النزول خفض جناحه ، فصار خف الجناح كناية عن فعل التواضع وترك الارتفاع . وفي إضافة الجناح إلى الذل وجهان : الأول أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك : " حاتم الجود " فالأصل فيه الجناح الذليل أو الذلول . والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحاً ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً كقول لبيد : إذ أصبحت بيد الشمال زمامها . فأثبت للشمال يداً ثم وضع زمام الريح في يد الشمال . وقوله : { من الرحمة } في " من " معنى التعليل أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ، ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها { و } لكن { قل رب ارحمهما كما ربياني } ليس المراد رحمة مثل رحمتهما عليّ . وأما الكاف فلاقتران الشيئين في الوجود أي كما وقع تلك فتقع هذه . والتربية التنمية ربا الشيء إذا انتفخ وزاد . قال بعض المفسرين : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] وقيل : مخصوصة لأن التخصيص أولى من النسخ ، وقيل : لا نسخ ولا تخصيص لأن الوالدين إذا كانا كافرين فله أن يدعو فله أن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد وأن يطلب الرحمة لهما بعد حصول الإيمان . ثم إن ظاهر الأمر للوجوب من غير تكرار فيكفي في العمر مرة واحدة { رب ارحمهما } وسئل سفيان كم يدعو الإنسان لوالديه أفي كل يوم مرة أو في كل شهر أو في كل سنة ؟ فقال : نرجو أن يجزيه إذا دعا لهما في أواخر التشهدات كما أن الله تعالى قد قال : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } [ الأحزاب : 56 ] . وكانوا يرون الصلاة عليه في التشهد . وكما قال الله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات } [ البقرة : 203 ] فهم يذكرون في أدبار الصلاة . قلت : ويشبه أن يدعو لهما أيضاً كلما ذكرهما أو ذكر شيئاً من إنعامهما . وسئل أيضاً عن الصدقة عن الميت فقال : كل ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع له من الاستغفار ، ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما " وروى سعيد بن المسيب أن البارَّ لا يموت ميتة سوء . وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبويّ بلغا من الكبر أنّى ، ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما ؟ قال : لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقائك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما . وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال : إنه كان ضعيفاً وأنا قوي ، وفقيراً وأنا غني ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي . واليوم أنا ضعيف وهو قوي ، وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله ، فبكى صلى الله عليه وسلم وقال : ما من حجر ولا مدر يسمع ذلك إلا بكى ، ثم قال للولد : أنت ومالك لأبيك . مرتين . وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال : لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر . قال : إنها سيئة الخلق . قال : لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين . قال : إنها سيئة الخلق . قال : لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها . قال : لقد جازيتها . قال : ما فعلت ؟ قال : حججت بها على عاتقي . قال : ما جازيتها . وقال الفقهاء : لا يذهب بأبيه إلى البيعة وإذا بعث إليه واحد منهما ليحمله فعل ، ولا يناوله الخمر ويأخذ الإناء منه إذا شرب بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.