غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

22

{ واخفض لهما جناح الذل } ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين : الأول أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحيه فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك في حال صغرك . والثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه ، وإذا أراد النزول خفض جناحه ، فصار خف الجناح كناية عن فعل التواضع وترك الارتفاع . وفي إضافة الجناح إلى الذل وجهان : الأول أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك : " حاتم الجود " فالأصل فيه الجناح الذليل أو الذلول . والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحاً ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً كقول لبيد : إذ أصبحت بيد الشمال زمامها . فأثبت للشمال يداً ثم وضع زمام الريح في يد الشمال . وقوله : { من الرحمة } في " من " معنى التعليل أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ، ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها { و } لكن { قل رب ارحمهما كما ربياني } ليس المراد رحمة مثل رحمتهما عليّ . وأما الكاف فلاقتران الشيئين في الوجود أي كما وقع تلك فتقع هذه . والتربية التنمية ربا الشيء إذا انتفخ وزاد . قال بعض المفسرين : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] وقيل : مخصوصة لأن التخصيص أولى من النسخ ، وقيل : لا نسخ ولا تخصيص لأن الوالدين إذا كانا كافرين فله أن يدعو فله أن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد وأن يطلب الرحمة لهما بعد حصول الإيمان . ثم إن ظاهر الأمر للوجوب من غير تكرار فيكفي في العمر مرة واحدة { رب ارحمهما } وسئل سفيان كم يدعو الإنسان لوالديه أفي كل يوم مرة أو في كل شهر أو في كل سنة ؟ فقال : نرجو أن يجزيه إذا دعا لهما في أواخر التشهدات كما أن الله تعالى قد قال : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } [ الأحزاب : 56 ] . وكانوا يرون الصلاة عليه في التشهد . وكما قال الله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات } [ البقرة : 203 ] فهم يذكرون في أدبار الصلاة . قلت : ويشبه أن يدعو لهما أيضاً كلما ذكرهما أو ذكر شيئاً من إنعامهما . وسئل أيضاً عن الصدقة عن الميت فقال : كل ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع له من الاستغفار ، ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما " وروى سعيد بن المسيب أن البارَّ لا يموت ميتة سوء . وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبويّ بلغا من الكبر أنّى ، ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما ؟ قال : لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقائك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما . وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال : إنه كان ضعيفاً وأنا قوي ، وفقيراً وأنا غني ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي . واليوم أنا ضعيف وهو قوي ، وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله ، فبكى صلى الله عليه وسلم وقال : ما من حجر ولا مدر يسمع ذلك إلا بكى ، ثم قال للولد : أنت ومالك لأبيك . مرتين . وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال : لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر . قال : إنها سيئة الخلق . قال : لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين . قال : إنها سيئة الخلق . قال : لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها . قال : لقد جازيتها . قال : ما فعلت ؟ قال : حججت بها على عاتقي . قال : ما جازيتها . وقال الفقهاء : لا يذهب بأبيه إلى البيعة وإذا بعث إليه واحد منهما ليحمله فعل ، ولا يناوله الخمر ويأخذ الإناء منه إذا شرب بها .

/خ40