غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (108)

104

{ أم تريدون } قيل : الخطاب للمسلمين لقوله { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } وهذا لا يصح إلا في حق المؤمنين ، ولأن { أم } للعطف ولا معطوف ظاهراً . فالتقدير : وقولوا انظرنا واسمعوا ، فهل تفعلون هذا كما أمرتم { أم تريدون أن تسألوا رسولكم } ولأنه سأل قوم من المسلمين أن يجعل صلى الله عليه وسلم لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها المأكول والمشروب كما سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة وهذا قول الأصم والجبائي وأبي مسلم . وقيل : إنه خطاب لأهل مكة وهو قول ابن عباس ومجاهد إن عبد الله بن أمية المخزومي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قريش فقال : يا محمد ، ما أؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب ، أو يكون لك بيت من زخرف ، أو ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك بعد ذلك حتى تنزل علينا كتاباً من الله إلى عبد الله بن أمية أن محمداً رسول الله فاتبعوه . فقال له بقية الرهط : فإن لم تستطع ذلك فأتنا بكتاب من عند الله جملة واحدة فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض كما جاء موسى إلى قومه بالألواح من عند الله كما سأله السبعون ، وعن مجاهد : أن قريشاً سألت محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله لهم الصفا ذهباً . فقال : نعم هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل فأبوا ورجعوا . وقيل : المراد اليهود لأن هذه السورة من أول قوله { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي } حكاية عنهم ومحاجة معهم ، ولأن الآية مدنية ، ولأنه جرى ذكر اليهود وما جرى ذكر غيرهم ، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأل ما يتبدل كفراً بإيمان ، وليس في ظاهر الآية أنهم أتوا بالسؤال فضلاً عن كيفية السؤال ، بل المرجع فيه إلى الروايات المذكورة . وههنا بحث وهو أن السؤال الذي ذكروه إن كان طلباً للمعجزات فمن أين أنه كفر ؟ ومعلوم أن طلب الدليل على الشيء لا يكون كفراً وإن كان ذلك طلباً لوجه الحكمة التفصيلية في نسخ الأحكام ، فهذا أيضاً لا يكون كفراً فإن الملائكة طلبوا الحكمة التفصيلية في خلق البشر ولم يكن ذلك كفراً . فالتكفير إما لأنهم طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة ، وإما لأنهم طلبوا المعجزات على وجه التعنت واللجاج . قلت : والأصوب في الآية أن يكون { أم تريدون } معطوفاً على { ألم تعلم } على أنه خطاب لكل مكلف ، فيكون في معنى الجمع . ثم { أم } إما أن تكون متصلة على معنى أي الأمرين كائن فإن العلم واقع بكون أحدهما لأنه إما أن لا يعلم نفوذ علمه وقدرته وأن الكل تحت قدرته وقهره وتسخيره ، وإما أن يعلم فيسأل وجه الحكمة في النسخ وغيره على سبيل العناد وكلا الأمرين يوجب التكفير . أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأن المعترف بحكمته البالغة وعنايته الشاملة ورأفته الكاملة وقدرته الظاهرة من حقه أن يقتصر على علمه الإجمالي ولا يتخطى مقام الأدب في البحث والتفتيش عن تفاصيل حكمته التي لا تكاد تنحصر . ويوهم أن السائل في شك مما أمر به أو نهي عنه ، وعلى هذا لا يوقف على نصير . وإما منقطعة على أنه أضرب عن الاستفهام الأول واستأنف استفهاماً ثانياً ، ويحتمل أن لا يكون قوله { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } حكماً بتكفيرهم بسبب السؤال بل يكون تنبيهاً للمكلفين ، على أن السؤال عما لا يهم لهم مما قد ينجر إلى الغواية لكثرة عروض الشكوك والشبهات حتى يقفوا على الاعتقاد الحق والتقليد الصرف فيما لا سبيل إلى درك تفاصيله أو لا يهم معرفتها . وسواء السبيل وسطه وهو الصراط المستقيم الذي مر تفسيره .