الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (108)

قوله : ( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأََلُوا رَسُولَكُمْ ) [ 107 ] .

" أم " تقع منقطعة( {[3493]} ) بعد الخبر والاستفهام تقول : " جاءني زيد " ثم تقول( {[3494]} ) : " أم جاءني عمرو " ، وتقول : " هل عندك زيد أم [ عندك عمرو ]( {[3495]} ) ، " و-أزيد( {[3496]} ) عندك أم لا ؟ " كأنه في هذا كله أدركه( {[3497]} ) الشك ، بعد أن مضى صدر( {[3498]} ) الكلام فاستدرك ب " أم " .

وتكون " أم " عاطفة بعد الاستفهام خاصة ، تدل على ثبوت أحد الشيئين غير معين وعن عينه( {[3499]} ) يسأل بها . فهي بمنزلة أيهما عندك " فتسأل عن العين بعد أن يستقر عندك أن ثمّ شخصاً( {[3500]} ) ولا تدري من هو ، ولا يكون الجواب إلا بالعين . يقول( {[3501]} ) المجيب : " فلان أو فلان " ولا يجوز أن يقول : " لا ، ولا نعم . وإنما لا ونعم( {[3502]} ) جواب . أو إذا قلت : " أذا عندك أو ذا ؟ ( {[3503]} ) " . وتقول " سواء علي أقمت أم قعدت " ، فبالتسوية( {[3504]} ) أجريته( {[3505]} ) مجرى الاستفهام لأنك سويت الأمرين في علمك ، كما استوى علمك في قولك : " أزيد عندك أم عمرو ؟ ( {[3506]} ) " .

فالتسوية تُجري هذا على حروف الاستفهام ، كما أجرى الاختصاص ما ليس بمنادى على حروف النداء .

قال بعض النحويين في ( اَمْ تُرِيدُونَ ) : " معناه : أتريدون " .

وقيل( {[3507]} ) : هي منقطعة مما قبلها بمنزلة قول العرب : " إنها لإبل أم شاء " ( {[3508]} ) . وهذا القول بعيد لأنه لا يصح في أكثر كلام( {[3509]} ) العرب إلا على( {[3510]} ) حدوث شك دخل المتكلم ، وذلك لا يليق بالقرآن .

وقيل( {[3511]} ) : إنها مردودة على الاستفهام الذي قبلها وهو ( أَلَمْ تَعْلَمَ اَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لأنه بمعنى : " ألم تعلموا " ، ثم قال : ( اَمْ تُرِيدُونَ ) .

قوله : ( كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ ) [ 107 ] .

قال ابن عباس : " [ أتى رجلان من ]( {[3512]} ) اليهود إلى النبي [ عليه السلام ] ( {[3513]} ) فقالا له : إئتنا بكتاب نقرأه ، وفَجِّر لنا أنهاراً( {[3514]} ) نتبعك . فأنزل الله عز وجل : ( اَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ ) الآية( {[3515]} ) .

ومعنى ( سُئِلَ مُوسَى ) ، هو قولهم : ( أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ) .

وقال مجاهد : " سألت قريش( {[3516]} ) [ النبي عليه السلام ]( {[3517]} ) أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، فقال : نعم( {[3518]} ) ، هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل . فأبوا ورجعوا ، فأنزل الله تعالى : ( اَمْ تُرِيدُونَ ) الآية " ( {[3519]} ) .

وقال أبو العالية : " جاء رجل إلى النبي/ [ عليه السلام ]( {[3520]} ) فقال : لو كانت كفاراتنا كفارات( {[3521]} ) بني إسرائيل . فقال النبي [ عليه السلام لا نبغيها( {[3522]} ) ] : مَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؛ كَانَتْ بَنُوا إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ( {[3523]} ) أَحَدُهُمْ الخَطِيئَةَ وَجَدَهَا مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِهِ وَكَفَّارَتَها( {[3524]} ) ، فَإِنْ كَفَّرَهَا كَانَتْ لَهُ خِزْياً( {[3525]} ) فِي الدُّنْيا . وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُ ، كَانَتْ لَهُ خِزْياً( {[3526]} ) فِي الآخِرَةِ . فَقَدْ أَعْطَاكُمُ اللَّه خَيْراً مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قال : ( وَمَن يَّعْمَلُ سُوءاً اَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً )( {[3527]} ) و " الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ كَفَّارَات لِمَا بَيْنَهُنْ " ( {[3528]} ) و " مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتُ [ لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ ]( {[3529]} ) عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عشْر أَمْثَالِهَا " ( {[3530]} ) . ثم أنزل الله بعقب ذلك : ( اَمْ تُرِيدُونَ )/ الآية( {[3531]} ) .

قوله : ( وَمَنْ يَّتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالاِيمَانِ ) [ 107 ] .

/قال أبو العالية : " الشدة بالرخاء " ( {[3532]} ) .

وقيل : الجحود بالإيمان ، وهو أولى( {[3533]} ) .

قوله : ( فَقَد ضَّلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) [ 107 ] .

أي : ذهب عنه وزاغ .

والسواء هنا قصده ومنهجه( {[3534]} ) . وأصل( {[3535]} ) السواء الوسط( {[3536]} ) .


[3493]:- في ق: متقطعة. وهو تصحيف.
[3494]:- في ع3: قال.
[3495]:- في ع3: عند عمر.
[3496]:- سقط حرف الواو من ع2، ق، ع3.
[3497]:- في ع3: أدرك. وهو تحريف.
[3498]:- في ق: صد. وهو تحريف.
[3499]:- في ع2: عين.
[3500]:- في ق: شخص.
[3501]:- في ق: فقول. وهو تحريف.
[3502]:- سقط قوله: "وإنما لا ونعم" من ع2.
[3503]:- في ع3: وإذا. وهو تحريف.
[3504]:- في ق: فبالتسوية.
[3505]:- في ع2، ق: ما أجريته، وفي ع3: ماجريته.
[3506]:- في ع3: عمر.
[3507]:- انظر: هذين القولين في معاني الفراء 1/71.
[3508]:- في ع1، ع2، ق، ع3: شاة.
[3509]:- في ع: الكلام. وهو خطأ.
[3510]:- سقط من ع2.
[3511]:- انظر: هذين القولين في معاني الفراء 1/71.
[3512]:- في ع2، ق: أتى رجل من. وفي ع3: مر.
[3513]:- سقط من ع3: صلى الله عليه وسلم.
[3514]:- في ع3، أنهار. وهو خطأ.
[3515]:- والرجلان هما رافع بن حريملة ووهب بن زيد. انظر: جامع البيان 2/490، وتفسير ابن كثير 1/152، ولباب النقول 25.
[3516]:- في ق: قريس. وهو تصحيف.
[3517]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[3518]:- سقط من ع2، ع3.
[3519]:- انظر: تفسير مجاهد 1/86، وأسباب النزول 40، ولباب النقول 25.
[3520]:- في ق، ع3: صلى الله عليه وسلم.
[3521]:- في ق: كفاراته.
[3522]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم لا نبقها.
[3523]:- في ع3: أصابت.
[3524]:- في ع3: كفارته.
[3525]:- قوله: "وجدها.. له حزياً" ساقط من ق.
[3526]:- في ق: ع3: خزي. وهو خطأ.
[3527]:- النساء آية 109.
[3528]:- انظر: صحيح مسلم 1/209، وسنن ابن ماجه 1/345.
[3529]:- في ع3: حسنة وإن.
[3530]:- رواه الشيخان والدارمي، انظر: صحيح البخاري 7/187، وصحيح مسلم 1/117، وسنن الدارمي 2/321.
[3531]:- انظر: جامع البيان 2/491، وتفسير ابن كثير 1/152، ولباب النقول 25، والدر المنثور 1/260.
[3532]:- انظر: المحرر الوجيز 1/326، وتفسير ابن كثير 1/153، والدر المنثور 1/261.
[3533]:- انظر: جامع البيان 2/494، وتفسير ابن كثير 1/152.
[3534]:- وهو اختيار الفراء في معانيه 1/73.
[3535]:- في ع3: أصله. وهو خطأ.
[3536]:- انظر: هذا الشرح في مجاز القرآن 1/50، وتفسير الغريب 61.