غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

102

قوله سبحانه : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا } في النظم وجهان : أحدهما أنه تعالى ذكر في الآيات المتقدمة أنه بين في التوراة والإنجيل ما يدل على صحة دين الإسلام ، ثم إن أهل الكتاب حسدوا محمداً فاحتالوا لإلقاء الشكوك في تلك النصوص ، ثم أنجز الكلام إلى أنه أمر المؤمنين بالدعاء إلى الخير ، فختم الكلام بتحذير المؤمنين من مثل فعل أهل الكتاب من إلقاء الشبهات في النصوص واستخراج التأويلات الفاسدة ، فعلى هذا تكون الآية من تتمة الآيات المتقدمة . وثانيهما أنه لما أمر الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن ضده وكان ذلك مما لا يتم إلا بالقدرة على تنفيذه ، كيف وفي الناس ظلمة ومتغلبون ، فلا جرم حذر أهل الحق أن يتفرقوا ويختلفوا كيلا يصير ذلك سبباً لعجزهم عن القيام بهذا التكليف ، وعلى هذا تكون الآية من تتمة الآية السابقة فقط . قال بعضهم : تفرقوا واختلفوا مؤداهما واحد والتكرير للتأكيد . وقيل : معناهما مختلف . تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الدين . أو تفرقوا بسبب التأويلات الفاسدة للنصوص ، واختلفوا بأن حاول كل منهم نصرة قوله . أو تفرقوا بأبدانهم بأن صار كل من الأحبار رئيسا في بلد ، واختلفوا بأن صار كل منهم يدعي أنه على الحق وصاحبه على الباطل . ولعل الإنصاف أن أكثر علماء الزمان بهذه الصفة فنسأل الله العصمة والسداد . { وأولئك } اليهود والنصارى الذين اختلفوا من بعد ما جاءهم الدلالات الواضحة والنصوص الظاهرة ، أو أولئك الذين اقتفوا آثارهم من مبتدعة هذه الأمة { لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وفي تعليق الظرف بقوله { لهم } فائدتان : إحداهما أن ذلك العذاب في هذا اليوم ،

/خ111