غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

92

التفسير : إنه سبحانه لما ذكر أن الإنفاق لا ينفع الكافر البتة ، علّم المؤمنين كيفية الإنفاق الذين ينتفعون به في الآخرة وهو الإنفاق من أحب الأشياء إليهم . وههنا لطيفة وهي أنه سبحانه وتعالى سمى جوامع خصال الخير براً في قوله تعالى :{ ولكن البر من آمن بالله }[ البقرة :177 ] الآية . وذكر في هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فالمعنى أنكم وإن أتيتم بكل الخيرات لم تفوزوا بإحراز خصلة البر ولم تبلغوا حقيقتها حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثرونها . وكان السلف رحمهم الله إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله . يروى أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال : يا رسول الله ، حائط لي بالمدينة - يعني بيرحاء - وهو أحب أموالي إليّ صدقة . فقال صلى الله عليه وسلم " بخ بخ ، ذاك مال رابح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " . فقال أبو طلحة : افعل يا رسول الله . فقسمها صلى الله عليه وسلم في أقاربه . وروي أنه صلى الله عليه وسلم جعلها بين حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب . وروي أن زيد بن حارثة جاء عند نزول الآية بفرس له كان يحبه وجعله في سبيل الله ، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد . فوجد زيد في نفسه وقال : إنما أردت أن أتصدق به . فقال صلى الله عليه وسلم : " أما إن الله قد قبلها منك " . وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى ، فلما رآها أعجبته فقال : إن الله تعالى يقول : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فأعتقها ولم يصب منها . ونزل بأبي ذرّ ضيف فقال للراعي : ائتني بخير إبلي . فجاء بناقة مهزولة فقال : خنتني . فقال : وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتك إليه . فقال : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي . وفي تفسير البر قولان :

أحدهما ما به يصيرون أبراراً ليدخلوا في قوله :{ إن الأبرار لفي نعيم }[ الانفطار :13 ] فيكون المراد بالبر ما يصدر منهم من الأعمال المقبولة المذكورة في قوله :{ ولكن البر من آمن }[ البقرة :177 ] وجملتها التقوى لقوله :{ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }[ البقرة :177 ] .

والثاني الجنة أي لن تنالوا ثواب البر . وقيل : المراد بر الله أولياءه وإكرامه إياهم من قول الناس " برني فلان بكذا وبر فلان لا ينقطع عني " . وقال تعالى :{ أن تبروا وتتقوا }[ البقرة :224 ] و " من " في قوله : { مما تحبون } للتبعيض نحو : أخذت من المال . ويؤيده قراءة عبد الله بن مسعود { بعض ما تحبون } وفيه أن إنفاق كل المال غير مندوب بل غير جائز لمن يحتاج إليه . والمراد بما تحبون قال بعضهم : هو نفس المال لقوله تعالى :{ وإنه لحب الخير لشديد }[ العاديات :8 ] وقيل : هو ما يكون محتاجاً إليه كقوله :{ ويطعمون الطعام على حبه }[ الدهر :8 ]{ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }[ الحشر :9 ] وقيل : هو أطيب المال وأرفعه كما مر . وعن ابن عباس : أراد به الزكاة أي حتى تخرجوا زكاة أموالكم . ويريد عليه أنه لا يجب على المزكي أن يخرج أشرف أمواله وأكرمها ، وقال الحسن : هو كل ما أنفقه المسلم من ماله يطلب به وجه الله . ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي أنها منسوخة بآية الزكاة . وضعف بأن إيجاب الزكاة لا ينافي الترغيب في بذل المحبوب لوجه الله . و " من " في { من شيء } للتبيين يعني من أي شيء كان ، طيب أو خبيث { فإن الله به عليم } فيجازيكم بحسبه أو يعلم الوجه الذي لأجله تنفقون من الإخلاص أو الرياء .

/خ101