غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

81

ثم بيّن وعيد من ترك الإسلام فقال : { كيف يهدي الله } واختلف في سبب النزول ، ففي رواية عن ابن عباس نزلت في يهود قريظة والنضير ومن دان بدينهم ، كفروا بالنبي بعد أن كانوا مؤمنين قبل مبعثه وكانوا يشهدون له بالنبوة فلما بعث وجاءهم بالبينات والمعجزات كفروا به بغياً وحسداً وعناداً ولدداً . وفي رواية أخرى عنه : نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم ارتدوا ولحقوا بمكة ، ثم أخذوا يتربصون به ريب المنون وكان فيهم من تاب فاستثنى التائب بقوله : { إلا الذين تابوا } وعن مجاهد قال : كان الحرث بن سويد قد أسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لحق بقومه وكفر فأنزل الله هذه الآية إلى قوله : { فإن الله غفور رحيم } فحملهن إليه رجل من قومه فقرأهن عليه فقال الحرث : والله إنك لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله أصدق الثلاثة ، ثم رجع فأسلم إسلاماً حسناً . قالت المعتزلة في الآية : إن أصولنا تشهد بأنه تعالى هدى جميع الخلق إلى الدين بمعنى التعريف ووضع الدلائل وإلا كان الكافر معذوراً ولا يحسن ذمه على الكفر . ثم إنه حكم بأنه لم يهد هؤلاء الكفار فلا بد من تفسير الآية بشيء آخر سوى نصب الدلائل .

قالوا : فالمراد بهذه الهداية منع الألطاف التي يؤتيها المؤمنين ثواباً لهم على إيمانهم كما قال :{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }[ العنكبوت :69 ] وقال :{ والذين اهتدوا زادهم هدى }[ محمد :17 ] أو المعنى لا يهديهم إلى الجنة كقوله :{ ولا يهديهم طريقاً إلا طريق جهنم }[ النساء :168169 ] وقوله :{ يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار }[ يونس :9 ] وقال أهل السنة : المراد بالهداية خلق المعرفة . وقد جرت سنة الله في باب التكليف وفي دار العمل أن كل فعل يقصد العبد إلى تحصيله فإنه الله يخلقه عقيب قصد العبد فكأنه تعالى قال : كيف يخلق الله فيهم المعرفة والهداية وهم قصدوا تحصيل الكفر وأرادوه ؟ وقال أهل التحقيق : كيف يهدي الله إليه قوماً احتجبوا بالصفات الإنسانية والطبائع الحيوانية عن الأخلاق الربانية . وقوله : { وشهدوا } عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل إذ هو في تقدير أن آمنوا كقوله تعالى :{ فأصدق وأكن }[ المنافقون :10 ] ويجوز أن يكون الواو للحال بإضمار " قد " أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق . وكيفما كان فمعنى الآية يؤول إلى أنه تعالى لا يهدي قوماً كفروا بعد الإيمان وبعد الشهادة بأن الرسول حق في نفسه غير باطل ولا مما يسوغ إنكاره بعد أن جاءتهم الشواهد الدالة على صدقه من القرآن وغيره ، لكن الشهادة هي الإقرار باللسان ، فيكون المراد من الإيمان هو التصديق بالقلب ليكون المعطوف مغايراً للمعطوف عليه . { والله لا يهدي القول الظالمين } الواضعين للشيء في غير موضعه وذلك أن الخصال الثلاث - أعني الإيمان والشهادة ومشاهدة المعجزات - توجب مزيد الإيمان بالنبي المبعوث في آخر الزمان لا الكفر والعناد . وفيه دليل على أن زلة العالم أقبح من زلة الجاهل ولهذا صرح في آخر الآية بأنه تعالى لا يهديهم بعد أن عرض بذلك في أول الآية .