وملْء الشيء قدر ما يملؤه و { ذهباً } نصب على التمييز . وربما يقال على التفسير ، ومعناه أن يكون الكلام تاماً إلا أنه يكون مبهماً كقولك
" عندي عشرون " فالعدد معلوم والمعدود مبهم . فإذا قلت " درهماً " فسرت العدد . ومعنى الفاء في { فلن يقبل } أن يعلم أن الكلام مبني على الشرط والجزاء ، وإذا ترك كما في الآية الأولى فلعدم قصد التسبيب والاكتفاء بمجرد الحمل والوضع . هذا ما قاله النحويون ومنهم صاحب الكشاف . وليت شعري أنهم لو سئلوا عن تخصيص كل موضع بما خصص به فبماذا يجيبون ؟ ولعل عقيدتهم في أمثال هذه المواضع أنها من الأسئلة المتقلبة وهو وهم . والسر في التخصيص هو أنه لما قيد في الجملة الثانية أنهم قد ماتوا على الكفر زيدت فاء السببية الجزائية تأكيداً للزوم وتغليظاً في الوعيد والله أعلم . أما الواو في قوله { ولو افتدى به } فإنها تشبه عطف الشيء على نفسه لأنه كالمكرر ، فلهذا كثر أقاويل العلماء فيه فقال الزجاج وابن الأنباري : إنها للعطف والتقدير : لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهباً لم يمنعه ذلك مع كفره ولو افتدى به أيضاً لم يقبل منه . وقيل : إنها لبيان التفصيل بعد الإجمال فإن إعطاء ملء الأرض ذهباً يحتمل الوجوه الكثيرة ، فنص على نفي القبول بجهة الفدية . وقيل : إن الملوك قد لا يقبلون الهدية ويقبلون الفدية ، فإذا لم يقبلوا الفدية كان ذلك غاية الغضب ونهاية السخط ، فعبر بنفي قبول الفداء عن شدة الغضب . وقيل : إنه محمول على المعنى كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً . وقيل : يجوز أن يراد ولو افتدى بمثله كقوله :{ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به }[ الزمر :47 ] والمثل يحذف كثيراً في كلامهم مثل : ضربت ضرب زيد . أي مثل ضربه . و " أبو يوسف وأبو حنيفة " تريد مثله . كما أنه يراد به في نحو قولهم " مثلك لا يفعل " كذا أي أنت . وذلك أن المثلين يقول أحدهما مقام الآخر في أغلب الأمور فكانا في حكم شيء واحد ، فإن قيل : من المعلوم أن الكافر لا يملك يوم القيامة شيئا ، وبتقدير أن يملك فلا نفع في الذهب هناك ، فما فائدة هذا الكلام ؟ فالجواب أنه على سبيل الفرض والتقدير ، والذهب كناية عن أعز الأشياء . والمراد أنه لو قدر على أعز الأشياء وفرض أن في بذله نفعاً للآخذ وأن المبذول في غاية الكثرة لعجز أن يتوصل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب ربه . ثم صرح بعقابهم ونفى من يشفع لهم فقال : { أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين } قال أهل التحقيق : وماتوا أي ماتت قلوبهم { أولئك لهم عذاب أليم } بموت القلب وفقد المعرفة { وما لهم من ناصرين } على إحياء القلب بنور المعرفة . حسبي الله ونعم الوكيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.