غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (91)

81

وملْء الشيء قدر ما يملؤه و { ذهباً } نصب على التمييز . وربما يقال على التفسير ، ومعناه أن يكون الكلام تاماً إلا أنه يكون مبهماً كقولك

" عندي عشرون " فالعدد معلوم والمعدود مبهم . فإذا قلت " درهماً " فسرت العدد . ومعنى الفاء في { فلن يقبل } أن يعلم أن الكلام مبني على الشرط والجزاء ، وإذا ترك كما في الآية الأولى فلعدم قصد التسبيب والاكتفاء بمجرد الحمل والوضع . هذا ما قاله النحويون ومنهم صاحب الكشاف . وليت شعري أنهم لو سئلوا عن تخصيص كل موضع بما خصص به فبماذا يجيبون ؟ ولعل عقيدتهم في أمثال هذه المواضع أنها من الأسئلة المتقلبة وهو وهم . والسر في التخصيص هو أنه لما قيد في الجملة الثانية أنهم قد ماتوا على الكفر زيدت فاء السببية الجزائية تأكيداً للزوم وتغليظاً في الوعيد والله أعلم . أما الواو في قوله { ولو افتدى به } فإنها تشبه عطف الشيء على نفسه لأنه كالمكرر ، فلهذا كثر أقاويل العلماء فيه فقال الزجاج وابن الأنباري : إنها للعطف والتقدير : لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهباً لم يمنعه ذلك مع كفره ولو افتدى به أيضاً لم يقبل منه . وقيل : إنها لبيان التفصيل بعد الإجمال فإن إعطاء ملء الأرض ذهباً يحتمل الوجوه الكثيرة ، فنص على نفي القبول بجهة الفدية . وقيل : إن الملوك قد لا يقبلون الهدية ويقبلون الفدية ، فإذا لم يقبلوا الفدية كان ذلك غاية الغضب ونهاية السخط ، فعبر بنفي قبول الفداء عن شدة الغضب . وقيل : إنه محمول على المعنى كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً . وقيل : يجوز أن يراد ولو افتدى بمثله كقوله :{ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به }[ الزمر :47 ] والمثل يحذف كثيراً في كلامهم مثل : ضربت ضرب زيد . أي مثل ضربه . و " أبو يوسف وأبو حنيفة " تريد مثله . كما أنه يراد به في نحو قولهم " مثلك لا يفعل " كذا أي أنت . وذلك أن المثلين يقول أحدهما مقام الآخر في أغلب الأمور فكانا في حكم شيء واحد ، فإن قيل : من المعلوم أن الكافر لا يملك يوم القيامة شيئا ، وبتقدير أن يملك فلا نفع في الذهب هناك ، فما فائدة هذا الكلام ؟ فالجواب أنه على سبيل الفرض والتقدير ، والذهب كناية عن أعز الأشياء . والمراد أنه لو قدر على أعز الأشياء وفرض أن في بذله نفعاً للآخذ وأن المبذول في غاية الكثرة لعجز أن يتوصل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب ربه . ثم صرح بعقابهم ونفى من يشفع لهم فقال : { أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين } قال أهل التحقيق : وماتوا أي ماتت قلوبهم { أولئك لهم عذاب أليم } بموت القلب وفقد المعرفة { وما لهم من ناصرين } على إحياء القلب بنور المعرفة . حسبي الله ونعم الوكيل .