غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

58

{ فلا وربك لا يؤمنون } عن عطاء ومجاهد والشعبي أنها من تمام قصة اليهودي والمنافق . وعن الزهري عن عروة بن الزبير " أنها نزلت في شأن الزبير وحاطب بن أبي بلتعة وذلك أنهما اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة ، والشرج مسيل الماء كانا يسقيان بها النخل فقال : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب حاطب . وقال : إن كان ابن عمتك ؟ وذلك أن أم الزبير صفية بنت عبد المطلب . فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " يعني الجدار الذي يحيط بالمزرعة وهو أصغر من الجدار واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك . واعلم أن الحكم في هذا أن من كانت أرضه أقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الماء وحقه تمام السقي . والرسول صلى الله عليه وسلم أذن للزبير في السقي على وجه المسامحة ، فلما أساء خصمه الأدب ولم يعرف حق ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم من المسامحة لأجله أمره باستيفاء حقه وحمل خصمه على مر الحق .

وفي قوله : { فلا وربك } قولان : أحدهما أن " لا " صلة لتأكيد معنى القسم والتقدير فوربك . والثاني أنها مفيدة وعلى هذا ففيه وجهان : الأول أنه يفيد نفي أمر سبق والتقدير ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم بقوله : { وربك لا يؤمنون } . الثاني أنها لتوكيد النفي الذي جاء في الجواب ، وهذا الوجه لا يتمشى فيما إذا كان الجواب مثبتاً . ومعنى شجر اختلف واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ، والتشاجر التنازع لاختلاط كلام بعضهم ببعض ، والحرج الضيق أو الشك لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين { ويسلموا } وينقادوا . يقال : سلم لأمر الله أي سلم نفسه له وجعلها خالصة لحكمه ومن التعليمية من تمسك بالآية في أنه لا يحصل الإيمان إلا بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم وهدايته والنزول على حكمه وقضائه في كل أمر ديني ، ومنع بأن معرفة النبوة موقوفة على معرفة الإله فلو توقفت معرفة الإله على معرفة النبوة لزم الدور فإذن الحكم غير كلي والتقليد في جميع الأحكام غير مرضي . واعلم أن الرضا بتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون رضا في الظاهر دون القلب فلهذا قال : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت } وهو الجزم بأن ما حكم به الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق والصدق ، ثم من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقاً وصدقاً فقد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول فعدم الحرج إشارة إلى الانقياد في الباطن والتسليم إشارة إلى الانقياد في الظاهر . وفي الآية دليل على عصمة الأنبياء عن الخطأ في الفتاوى والأحكام ، وعلى أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس وإلاّ كان في النفس حرج . قالت المعتزلة : لو كانت المعاصي بقضاء الله تعالى لزم التناقض لأن الرضا بقضائه واجب فالرضا بالمعاصي واجب ، لكن الرسول قد نهى عنها فيجب أن يحصل الرضا في تركها ويلزم الرضا بالفعل والترك معاً وهو محال . وأجيب بأن المراد من قضاء الله التكوين والإيجاد . فالرضا بقضائه أن يعتقد كون الكل بإيجاده ، والمراد من الرضا بقضاء الرسول أن يلتزم ما حكم به ويتلقى بالبشر والقبول فأين ذاك من هذا .

/خ70