غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَوۡ أَنَّا كَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَنِ ٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ أَوِ ٱخۡرُجُواْ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٞ مِّنۡهُمۡۖ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتٗا} (66)

58

قوله : { ولو أنا كتبنا عليهم } " روي أن حاطباً لما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوعب للزبير حقه في صريح الحكم خرجا فمرا على المقداد فقال : لمن كان القضاء ؟ فقال حاطب : قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال : قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم ، وأيم الله لقد أذنبنا ذنباً مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال : اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنا . فقال ثابت بن قيس بن شماس : أما والله إن الله ليعلم مني الصدق لو أمرني محمد أن أقتل نفسي لقتلتها ، وكذا قال ابن مسعود وعمار بن ياسر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " .

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : والله لو أمرنا ربنا لفعلنا والحمد الله الذي لم يفعل بنا ذلك ونزلت الآية . فالضمير في قوله : { عليهم } يعود إلى الناس والمراد بالقليل المؤمنون منهم . عن ابن عباس ومجاهد أنه يعود إلى المنافقين والمراد أنا لو كتبنا القتل والخروج عن الوطن على هؤلاء المنافقين ما فعله إلاّ قليل منهم رياء وسمعة وحينئذٍ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم ، فإن لم نفعل بهم ذلك بل كلفناهم بالأشياء السهلة فليتركوا النفاق وليلزموا الإخلاص { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } من الانقياد والطاعة لله ولرسوله . وسمى التكليف وعظاً لاقترانه بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب { لكان خيراً لهم } أي أنفع وأفضل من غيره أو خير الدنيا والآخرة لأن { خيراً } يستعمل بالوجهين جميعاً . { وأشد تثبيتاً } أقرب إلى ثباتهم على الإيمان والطاعة لأن الطاعة تدعو إلى أمثالها وتجر إلى المواظبة عليها ، ولأنه حق والحق ثابت والباطل زائل . وأيضاً الإنسان يطلب الخير أولاً فإذا حصل يطلب ثباته ودوامه .

/خ70