غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

/خ41

ثم وصف اليهود بقوله : { سماعون للكذب أكالون للسحت } وهو الحرام وكل ما لا يحل كسبه من سحته وأسحته أي استأصله لأنه مسحوت البركة ، ومال مسحوت أي مذهب . قال الليث : السحت حرام يحصل منه العار وذلك أنه يسحت فضيلة الإنسان ويستأصلها . ورجل مسحوت المعدة إذا كان أكولاً لا يلفى إلاّ جائعاً أبداً كأنه يستأصل كل ما يصل إليه من الطعام . والسحت الرشوة في الحكم ومهر البغي وعسب الفحل وكسب الحجام وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة وحلوان الكاهن والاستكساب في المعصية روي ذلك عن علي رضي الله عنه وعمر عثمان وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد ، وزاد بعضهم ونقص بعضهم وكل ذلك يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا يكون فيه بركة ويكون فيه عار بحيث يخفيه صاحبه لا محالة . قال الحسن : كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه من كان مبطلاً في دعواه برشوة سمع كلامه ولا يلتفت إلى خصمه فكان يسمع الكذب ويأكل السحت . وقيل : كان فقراؤهم يأخذون من أغنيائهم مالاً ليقيموا على ما هم عليه من اليهودية فكانوا يسمعون أكاذيب الأغنياء ويأكلون السحت . وقيل : سماعون للأكاذيب التي كانوا ينسبونها إلى التوراة ، أكالون للربا لقوله تعالى :{ وأخذهم الربا }[ النساء :161 ] . { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } خيره الله تعالى بين الحكم والإعراض . فقيل : إن هذا الخبر مختص بالمعاهدين الذين لا ذمة لهم .

وقيل : إنه في أمر خاص وهو رجم المحصن قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري : وقيل : في قتيل قتل من اليهود في بني قريظة والنضير وكان في بني النضير شرف وكانت ديتهم كاملة وفي قريظة نصف دية ، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الدية سواء . وعن النخعي والشعبي وقتادة وعطاء وأبي بكر الأصم وأبي مسلم أن الآية عامة في كل ما جاء من الكفار ، وأن الحكم ثابت في سائر الأحكام غير منسوخ . وعن ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وهو مذهب الشافعي أن هذا التخيير منسوخ في حق غير المعاهدين بقوله تعالى :{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله }[ المائدة :49 ] فيجب على حاكم المسلمين أن يحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إليه لأن في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغاراً لهم . وأهل الحجاز بعضهم لا يرون إقامة الحدود عليهم يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم من الحدود ويقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين قبل نزول الجزية ، ثم إنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلاّ لطلب الأسهل والأخف كالجلد مكان الرجم ، فإذا أعرض صلى الله عليه وسلم عنهم وأبى الحكومة بينهم شق عليهم وعادوا فآمنه الله بقوله : { وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } بالعدل والاحتياط كما حكمت في الرجم .

/خ47