غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (67)

59

ثم أمر رسوله بأن لا ينظر إلى قلة المقتصدين وكثرة المعاندين ولا يتخوف مكروههم فقال : { يا أيها الرسول بلغ } عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه يوم غدير خم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . فلقيه عمر وقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي . وروي أنه صلى الله عليه وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلق سيفه عليه فأتاه أعرابي وهو نائم فأخذ سيفه واخترطه وقال : يا محمد ، من يمنعك مني ؟ فقال : الله . فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ونزل : { والله يعصمك من الناس } وقيل : لما نزلت آية التخيير : { يا أيها النبي قل لأزواجك } [ الأحزاب :28 ] فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت { يا أيها الرسول بلغ } وقيل : نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش . وقيل : لما نزل { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } [ الأنعام :108 ] سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت . أي بلغ معايب آلهتهم ولا تخفها . وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم لما بين الشرائع والمناسك في حجة الوداع . قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد " . فنزلت وقيل : نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين . وقال الحسن : إن نبي الله قال : " لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً وعرفت أن من الناس من يكذبني واليهود والنصارى وقريش يخوفونني فنزلت الآية فزال الخوف " . وقالت عائشة : " سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت : يا رسول الله ما شأنك ؟ قال : ألا رجل صالح يحرسني الليلة . قالت : فبينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح فقال : من هذا ؟ قال سعد وحذيفة : جئنا نحرسك . فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه فنزلت هذه الآية ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم فقال : انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله " . وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالاً من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت هذه الآية . فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسونه فقال : يا عماه إن الله تعالى قد عصمني من الجن والإنس . ومعنى قوله : { ما أنزل إليك } جميع ما أنزل إليك وأي شيء أنزل إليك { وإن لم تفعل } ما أمرتك به كما أمرتك به { فما بلغت رسالته } من قرأ على الوحدة فلأنّ القرآن كله رسالة واحدة ، أو لأن الرسالة اسم المصدر فيقع على الواحد وعلى الجمع . ومن جمع فلأن كل آية أو حكم رسالة . فإن قيل : معنى قوله : { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } إن لم تبلغ رسالته فما بلغت رسالته فما وجه صحته ؟ فالجواب أن هذا جار على طريق التهديد والمراد إن لم تبلغ منها أدنى شيء فأنت كمن لم يبلغ شيئاً لأن أداء بعضها ليس أولى من أداء البعض الآخر كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها . أو المراد إن لم تفعل فلك ما يوجبه كتمان الوحي كله فوضع السبب موضع المسبب ، ويعضده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بعثني الله برسالاته وضقت بها ذرعاً فأوحى الله إليّ إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت " . فإن قيل : أين ضمان العصمة وقد جرى عليه يوم أحد ما جرى ؟ فالجواب أن الآية نزلت بعد يوم أحد . أو المراد أنه يعصمه من القتل وعليه أن يحتمل كل ما دون النفس والناس الكفار لقوله : { إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين } أي لا يمكنهم مما يريدون .

/خ69