غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (145)

142

ثم فصل تلك الرسالة فقال { وكتبنا له في الألواح } قيل : خر موسى صعقاً يوم عرفة وأعطاه الله التوراة يوم النحر . وذكروا في عدد الألواح وفيو جوهرها وطلولها أنها كانت عشرة ألواح ، وقيل سبعة ، وقيل لوحين ، وأنها كانت من خشب نزلت من السماء . وعن وهب أنها كانت من صخرة صماء لينها الله تعالى لموسى قطعها بيده وشققها بأصابعه . وقيل : طولها كان عشرة أذرع . والتحقيق أن أمثال هذه يحتاج إلى النقل الصحيح وإلا وجب السكوت عنه إذ ليس في الآية ما يدل على ذلك . وأما كيفية تلك الكتابة فقال ابن جريج كتبها جبرائيل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور وحكم هذا النقل أيضاً كما قلنا { من كل شيء } مفعول { كتبنا } و «من » للتبعيض نحو أخذت من الدراهم { موعظة وتفصيلاً } بدل منه فيدخل في الموعظة كل ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية وذلك بذكر الوعد والوعيد . وأراد بالتفصيل تبيين كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل من أقسام الأحكام ، ويجوز أن يكون { موعظة وتفصيلاً } مفعولين ل { كتبنا } والتقدير : وكتبنا له في الألواح موعظة من كل شيء وتفصيلاً لكل شيء . قيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير يقرأ الجزء منها في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى ويوشع وعزير وعيسى . وعن مقاتل : كتب في الألواح أني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً ولا تقطعوا السبيل ولا تحلفوا باسمي كذباً فإن من حلف باسمي كذباً فلا أزكيه ، ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تعقوا الوالدين . { فخذها } على إرادة القول أي وكتبنا فقلنا له خذها أو بدل من قوله { فخذ ما أتيتك } والضمير للألواح أو لكل شيء لأنه في معنى الأشياء ، أو للرسالات أو للتوراة { بقوّة } بجد وعزيمة فعل أولى بالعزم من الرسل { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } سئل هاهنا أنه لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به ، فظاهر قوله { يأخذوا بأحسنها } يقتضي أن فيه ما ليس بأحسن وأنه لا يجوز الأخذ به . وأجاب العلماء بوجوه منها ، أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر ، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب فيكون كقوله { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } [ الزمر : 55 ] وكقوله { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } [ الزمر : 18 ] قال قطرب : الأحسن بمعنى الحسن وكلها حسن . وقيل : الحسن يشمل الواجب والمندوب والمباح والأحسن الواجب والمندوب . وقال في الكشاف : يجوز أن يراد يأخذوا بما أمروا به دون ما نهوا عنه كقولهم الصيف أحر من الشتاء . ثم ختم الآية بالوعيد والتهديد فقال { سأريكم دار الفاسقين } قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعني جهنم أي ليكن ذكر جهنم حاضراً في أذهانكم لتحذروا أن تكونوا منهم . وعن قتادة : يريد مواطن الجبابرة والفراعنة الخاوية بالشام ومصر ليعتبروا بذلك فلا يفسقوا مثل فسقهم فيصبيهم مثل ما أصابهم . وقال الكلبي : هي منازل عاد وثمود وأقرانهم يمرون عليها في أسفارهم . وقيل : المراد الوعد والبشارة بأن الله تعالى سيرزقهم أرض أعدائهم ويؤيده ما قرئ { سأورثكم } . وقوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } [ الأعراف : 137 ] .

/خ154