ثم فصل تلك الرسالة فقال { وكتبنا له في الألواح } قيل : خر موسى صعقاً يوم عرفة وأعطاه الله التوراة يوم النحر . وذكروا في عدد الألواح وفيو جوهرها وطلولها أنها كانت عشرة ألواح ، وقيل سبعة ، وقيل لوحين ، وأنها كانت من خشب نزلت من السماء . وعن وهب أنها كانت من صخرة صماء لينها الله تعالى لموسى قطعها بيده وشققها بأصابعه . وقيل : طولها كان عشرة أذرع . والتحقيق أن أمثال هذه يحتاج إلى النقل الصحيح وإلا وجب السكوت عنه إذ ليس في الآية ما يدل على ذلك . وأما كيفية تلك الكتابة فقال ابن جريج كتبها جبرائيل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور وحكم هذا النقل أيضاً كما قلنا { من كل شيء } مفعول { كتبنا } و «من » للتبعيض نحو أخذت من الدراهم { موعظة وتفصيلاً } بدل منه فيدخل في الموعظة كل ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية وذلك بذكر الوعد والوعيد . وأراد بالتفصيل تبيين كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل من أقسام الأحكام ، ويجوز أن يكون { موعظة وتفصيلاً } مفعولين ل { كتبنا } والتقدير : وكتبنا له في الألواح موعظة من كل شيء وتفصيلاً لكل شيء . قيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير يقرأ الجزء منها في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى ويوشع وعزير وعيسى . وعن مقاتل : كتب في الألواح أني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً ولا تقطعوا السبيل ولا تحلفوا باسمي كذباً فإن من حلف باسمي كذباً فلا أزكيه ، ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تعقوا الوالدين . { فخذها } على إرادة القول أي وكتبنا فقلنا له خذها أو بدل من قوله { فخذ ما أتيتك } والضمير للألواح أو لكل شيء لأنه في معنى الأشياء ، أو للرسالات أو للتوراة { بقوّة } بجد وعزيمة فعل أولى بالعزم من الرسل { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } سئل هاهنا أنه لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به ، فظاهر قوله { يأخذوا بأحسنها } يقتضي أن فيه ما ليس بأحسن وأنه لا يجوز الأخذ به . وأجاب العلماء بوجوه منها ، أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر ، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب فيكون كقوله { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } [ الزمر : 55 ] وكقوله { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } [ الزمر : 18 ] قال قطرب : الأحسن بمعنى الحسن وكلها حسن . وقيل : الحسن يشمل الواجب والمندوب والمباح والأحسن الواجب والمندوب . وقال في الكشاف : يجوز أن يراد يأخذوا بما أمروا به دون ما نهوا عنه كقولهم الصيف أحر من الشتاء . ثم ختم الآية بالوعيد والتهديد فقال { سأريكم دار الفاسقين } قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعني جهنم أي ليكن ذكر جهنم حاضراً في أذهانكم لتحذروا أن تكونوا منهم . وعن قتادة : يريد مواطن الجبابرة والفراعنة الخاوية بالشام ومصر ليعتبروا بذلك فلا يفسقوا مثل فسقهم فيصبيهم مثل ما أصابهم . وقال الكلبي : هي منازل عاد وثمود وأقرانهم يمرون عليها في أسفارهم . وقيل : المراد الوعد والبشارة بأن الله تعالى سيرزقهم أرض أعدائهم ويؤيده ما قرئ { سأورثكم } . وقوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } [ الأعراف : 137 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.