غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

142

قيل : إن بني إسرائيل كان له عيد يتزينون فيه يستعيرون من القبط الحلي فاستعاروها مرة فأغرق الله القبط فبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل ، فلهذا أضيفت إليهم على أن مجرد ملابسة الاستعارة أيضاً تحقق الإضافة وتصححها . والحليّ جمع حلي كثدي وثديّ . ومن كسر الحاء فللإتباع . فجمع السامري تلك الحليّ وكان رجلاً مطاعاً فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً يعبدونه فصاغ السامري لهم عجلاً . واختلف المفسرون بعد ذلك فقال قوم : كان قد أخذ تراب حافر فرس جبرائيل فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحماً ودماً وظهر منه الخوار مرة واحدة فقال السامري هذا إلهكم وإله موسى . قال أكثر المفسرين من المعتزلة : إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوّفاً ووضع في جوفه أنابيب على وجه مخصوص ، ثم وضع التمثال على مهب الرياح فظهر منه صوت شديد يشبه خوار العجل . وقال آخرون : إنه صير ذلك التمثال أجوف وخبأ تحته من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس . وإنما قال سبحانه { واتخذ قوم موسى } من أن المتخذ هو السامريّ وحده لأن القوم رضوا بذلك واجتمعوا عليه فكأنهم شاركوه ، أو لأن المراد باتخاذ العجل هو عبادته كقوله { ثم اتخذتم العجل من بعده } [ البقرة : 51 ] أي من بعد مضيه إلى الطور . قال الحسن : كلهم عبدوا العجل غير هارون لعموم الآية ولقول موسى في الدعاء { رب اغفر لي ولأخي } ولو كان غيرهما أهلاً للدعاء لأشركهم في ذلك . وقال آخرون : بل كان قد بقي في بني إسرائيل من ثبت على إيمانه لقوله سبحانه { من قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 181 ] وهل انقلب ذلك التمثال لحماً ودماً أو بقي ذهباً كما كان مال بعضهم إلى الأوّل لأنه تعالى قال { عجلاً جسداً له خوار } والجسد اسم للجسم ذي اللحم والدّم والخوار إنما يكون للبقرة لا للصورة . واستبعده بعضهم وناقش في أن الجسد مختص بذي الروح . ثم قال : إن ذلك الصوت لما أشبه الخوار لما يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه . وقرأ على كرم الله وجهه { جؤار } بالجيم والهمزة من جأر إذا صاح و{ جسداً } بدلاً من { عجلاً } ثم إنه سبحانه احتج على فساد كون ذلك العجل إلهاً بقوله { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً } ومن حق الإله أن يكون متكلماً هادياً إلى سبيل الحق ومناهجه بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل من الكتب . قالت المعتزلة : هاهنا سؤال فمن كان مضلاً عن الدين لا يصلح أن يكون إلهاً . قالت الأشاعرة : لو صح أن الإله يلزم أن يكون متكلماً هادياً لزم أن يكون كل متكلم هادٍ إلهاً . والحق أن الملازمة ممنوعة فإن الدعوى ليست إلا أن كل إله يجب أن يكون متكلماً هادياً والموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها على أنه يمكن أن يقال لا متكلم ولا هادي في الحقيقة إلا الله تعالى . ثم ختم الآية بقوله { اتخذوه وكانوا ظالمين } وهذا كما قال في البقرة { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } [ البقرة :51 ] .

/خ154