غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

35

ثم وصف أخلاق أهل الجنة فقال : { ونزعنا ما في صدورهم من غل } نزع الشيء قلعه من مكانه ، والغل الحقد والتركيب يدور على الإخفاء ومنه الغلول كما مر في تفسير قوله : { وما كان لنبي أن يغل } [ آل عمران : 161 ] وللآية تفسيران : الأول أزلنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا بتصفية الطباع وإسقاط الوسواس ومنعه من أن يرد على القلوب فإن الشيطان مشغول بالعذاب فلا يتفرغ لإلقاء الوسواس فلم يكن بينهم إلا التوادد والتعاطف . عن علي كرم الله وجهه أني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم . الثاني : أن درجات أهل الجنة متفاوتة بحسب الكمال والنقص ، فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى إن صاحب الدرجة الناقصة لا يحسد صاحب الدرجة الكاملة فيكون هذا في مقابلة ما ذكره الله تعالى من تبريء بعض أهل النار من بعض ولعن بعضهم بعضاً وليس هذا ببديع ولا بعيد من حال أهل الجنة ، فإن أولياء الله تعالى في دار الدنيا أيضاً بهذه المثابة بحسن توفيق الله تعالى ونور عنايته وهدايته كل منهم قد قنع بما حصل له من نعيم الدنيا وطيباتها لا يميل طبعه إلى زوجة لغيره أحسن من زوجته ولا إلى لا مشتهى ألذ مما رزقه الله ، وكل هذا نتيجة ملكه الرضا بالقضاء والتسليم لأمر رب الأرض والسماء ، فيموتون كذلك ويحشرون على ذلك وفقنا الله لنيل هذا المقام ببركة أولئك الكرام { تجري من تحتهم الأنهار } وهذه من جملة أسباب التنزه والترفه أن أجرى على ظاهره ، ومن جملة السعادات الروحانية أن أريد بها أنواع المكاشفات وأصناف التجليات { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } النعيم المقيم والفوز العظيم بأن يسر الأسباب وخلق الدواعي ومنع الصوارف ، أو بأن أعطى العقل ونصب الأدلة وأزاح العلة { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } من قرأ بواو العطف فظاهر ، ومن حذف الواو فلأنها جملة يقرب معناها من معنى الأولى وكأنها تفسرها فلا حاجة إلى العطف المؤذن بالتغاير . ثم حكى عنهم سبب الاهتداء وذلك قوله : { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } فجعله واسطة لهدايتنا أو لطفاً وتنبيهاً يقولون ذلك فيما بينهم سروراً واغتباطاً بما نالوا وتلذذاً بالتكلم به لا تقرباً وتعبداً فإن الجنة ليست دار التكليف { ونودوا أن تلكم } بأنه تلكم { الجنة } والضمير للشأن والحديث ويجوز كونه بمعنى أي لأن النداء في معنى القول . وإنما قيل : { تلكم } لأنهم وعدوا بها في الدنيا وكأنه قيل لهم هذه تلكم التي وعدتم بها ، ويجوز أن يكون التبعيد للتعظيم . ومعنى { أورثتموها } صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله . قد يستعمل الإرث ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي كما يقال هذا الفعل يورثك الشرف أو العار . وقيل : أعطوا تلك المنازل من غير تعب في الحال فصار شبيهاً بالميراث . وقيل : إن أهل الجنة يرثون منازل أهل النار لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «ليس من مؤمن ولا كافر إلا له في الجنة والنار منزل فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ثم يقال يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنة منازلهم » قالت المعتزلة قوله : { بما كنتم تعملون } يدل على أن الموجب للجزاء هو العمل لا التفضل . وقال غيرهم : لما كان الموفق للعمل الصالح هو الله تعالى كان دخول الجنة بفضله . وجعل العمل أمارة على ذلك والمنادي هو الله جل وعلا أو الملك الموكل بذلك والله تعالى أعلم .

/خ43