غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

44

ثم وصف أهل الجنة والنار فقال : { وبينهما } يعني بين الجنة والنار أو بين الفريقين { حجاب } وهو السور المذكور في قوله سبحانه : { فضرب بينهم بسور له باب } [ الحديد :13 ] قيل : أي حاجة إلى ضرب هذا السور والجنة فوق السموات والجحيم في أسفل سافلين . وأجيب بأن بعد أحدهما عن الآخر لا يمنع أن يكون بينهما سور وحجاب . والأعراف لغة جمع عرف بالضم وهو الرمل المرتفع ومنه عرف الفرس وعرف الديك ، وكل مرتفع من الأرض عرف لأنه بسبب ارتفاعه يصير أعرف مما انخفض منه . الأعراف في الآية يفسر بالمكان تارة وبغيره أخرى . أما الذين فسروه بالمكان وهم الأكثرون فقال : إن الأعراف أعلى أعالي السور المضروب بين الجنة والنار ويروى عن ابن عباس . وعنه أيضاً أن الأعراف شرف الصراط وعلى هذا التفسير فالذين هم على الأعراف من هم فيه قولان : أحدهما أنهم أقوام يكونون في الدرجة العليا من الثواب . وثانيهما : أنهم في الدرجة النازلة . وعلى الأول فيه وجوه : فقال أبو مجلز : هم ملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار . فقيل له : يقول الله تعالى : { وعلى الأعراف رجال } وأنت تقول : إنهم ملائكة . فقال : الملائكة ذكور لا إناث . ويرد عليه أن الرجل لغة يطلق على من يصلح أن يكون من نوعه أنثى بل يطلق على الذكر من بني آدم . وقيل : إنهم الأنبياء عليهم السلام أجلسهم الله تعالى على ذلك المكان العالي إظهاراً لشرفهم وليكونوا مشرفين على الفريقين مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم . وقيل : إنهم الشهداء . وعلى القول الثاني قيل : إنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أوقفهم الله على هذه الأعراف لأنها درجة متوسطة بين الجنة والنار . ثم تؤل عاقبة أمرهم إلى الجنة برحمة من الله وفضل قاله حذيفة وابن مسعود واختاره الفراء . وخصصه بعضهم فقال : هم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن أمهاتهم فاستشهدوا فساوت معصيتهم طاعتهم وفي هذا التخصيص نظر . وقال عبد الله بن الحرث : إنهم مساكين أهل الجنة . وقال قوم : هم الفساق من أهل الصلاة يعفو الله عنهم ويسكنهم الأعراف . وأما الذين فسروه بغير المكان وهو قول الحسن والزجاج فقد قالوا : إن المعنى وعلى معرفة أهل الجنة والنار رجال يميزون البعض من البعض إما بالإلهام أو بتعريف الملائكة . قال الحسن : والله لا أدري لعل بعضهم الآن معنا . وعلى جميع التفاسير فهم يعرفون أهل الجنة وأهل النار . قال قوم : يعرفون أهل الجنة بكون وجوههم ضاحكة مستبشرة مبيضة ، وأهل النار بسواد وجوههم وزرقة عيونهم . وزيف بأن هذا النوع من المعرفة عام لأهل المحشر فلا وجه لتخصيص أصحاب الأعراف بذلك . ويمكن أن يقال : إن معرفتهم لكونهم على الأمكنة المرتفعة آمنين . وقال المحققون : إنهم كانوا يعرفون أهل الخير والإيمان والصلاة وأهل الشر والكفر والإفساد وهم كانوا في الدنيا شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية ، فهو تعالى يجلسهم على الأعراف ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به . ثم قال : { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم } أي إنهم إذا نظروا إلى الجنة سلموا على أهلها . ثم أخبر على سبيل الاستئناف أن أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة { وهم يطمعون } كأن سائلاً سأل عن حالهم أو على أنه صفة أخرى لرجال . فإن قلنا : إن أصحاب الأعراف هم الأشراف فيكون الله تعالى أخر إدخالهم الجنة ليطلعوا على أحوال أهل الجنة والنار ، ثم إنه تعالى ينقلهم إلى الدرجات العلا في الجنة كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «إن أهل الدرجات العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدريّ في وسط السماء وإن أبا بكر وعمر منهم » ومعنى يطمعون على هذا يتيقنون كقول إبراهيم : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } [ الشعراء : 82 ] ولا يخفى ما في هذه العبارة من حسن الأدب . وإن قلنا أصحاب الأعراف هم الأوساط فلا إشكال لأنهم يطمعون من فضل الله وإحسانه أن ينقلهم من ذلك الموضع إلى الجنة .

/خ53