غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

1

ثم كرر الاستبعاد فقال { كيف } وحذف الفعل لكونه معلوماً أي كيف يكون لهم عهد { و } حالهم أنهم { إن يظهروا عليكم } أي يغلبوكم ، ويظفروا بكم وذلك أن الغلبة من الكمال عند الشخص وكل من تصور في نفسه كمالاً فإنه يريد أن يظهر ذلك لغيره فأطلق الظهور على الغلبة لكونه من لوازمها { لا يرقبوا } لا يراعوا { فيكم } ولا ينتظروا بكم { إلا ولا ذمة } قال في الصحاح : الأل العهد والقرابة . ووجه ذلك في الكشاف بأن اشتقاقه من الأل هو الجؤار والأنين لأنهم إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم ، وسميت به القرابة لأنها تعقد بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق . وفي الصحاح أيضاً أن الأل بالكسر من أسماء الله عزّ وجلّ . وفي الكشاف أنه قرئ «إيلا » بمعناه . وقيل : جبرئيل وجبرئلّ من ذلك . وقيل : منه اشتق الأل بمعنى القرابة كما اشتقت الرحم من الرحمن . قال الزجاج : الأل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدّة من ذلك الألة الحربة ، وأذن مؤللة محدّدة . ومعنى العهد والقرابة غير خارج من ذلك ، والذمة العهد وجمعها ذمم وذمام وهو كل أمر لزمك وكان بحيث لو ضيعته لزمك مذمة . وقال أبو عبيدة : الذمة ما يتذمم منه أي ما يجتنب فيه الذم . قال في الكشاف { يرضونكم } كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل . ثم قال سبحانه { وأكثرهم فاسقون } عن ابن عباس : لا يبعد أن يكون بعض هؤلاء الكفار قد أسلم وتاب فلهذا لم يحكم بالفسق على الكل . والظاهر أنه أراد أن أكثرهم فساق في دينهم لا يتحرزون عن الكذب ونقض العهد الذي هو مذموم في جميع الأديان والنحل .

/خ16