مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (144)

لما رمى ابن قميئة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته أقبل يريد قتله فذب عنه مصعب بن عمير وهو صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يرى أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قتلت محمداً وخرج صارخ قيل هو الشيطان ألا إن محمداً قد قتل . ففشا في الناس خبر قتله فانكفئوا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : « إليّ عباد الله » حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هربهم فقالوا : يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فولينا مدبرين فنزل { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ } مضت { مِن قَبْلِهِ الرسل } فسيخلو كما خلوا ، وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه ، لأن المقصود من بعثة الرسل تبليغ الرسالة وإلزام الحجة لا وجوده بين أظهر قومه { أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم } الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبيب ، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت أو قتل مع علمهم أن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكاً به يجب أن يجعل سبباً للتمسك بدين محمد عليه السلام لا للانقلاب عنه ، والانقلاب على العقبين مجاز عن الارتداد أو عن الانهزام { وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً } وإنما ضر نفسه { وَسَيَجْزِى الله الشاكرين } الذين لم ينقلبوا ، وسماهم شاكرين لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا .