فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (144)

( وما محمد إلا رسول ) سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصيب يوم أحد صاح الشيطان قائلا قد قتل محمد صلى الله عليه وسلم ففشل بعض المسلمين حتى قال قائل قد أصيب محمد فأعطوا بأيديكم فإنما هم إخوانكم {[379]} ، وقال آخر لو كان رسولا ما قتل فرد الله عليهم ذلك وأخبرهم بأنه رسول ( قد خلت من قبله الرسل ) وسيخلو كما خلوا فهذه الجملة صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقصر قصر أفراد كأنهم استبعدوا هلاكه فأثبتوا له صفتين الرسالة وكونه لا يهلك فرد الله عليهم ذلك بأنه رسول لا يتجاوز ذلك إلى صفة عدم الهلاك ، وقيل هو قصر قلب .

ثم أنكر الله عليهم بقوله ( أفإن مات ) الهمزة للاستفهام الإنكاري أي كيف ترتدون وتكفرون دينه إذا مات ( أو قتل ) مع علمكم ان الرسل تخلو ويتمسك أتباعهم بدينهم وان فقدوا بموت او قتل ، وقيل الإنكار لجعلهم خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم بموته او قتله ، وإنما ذكر القتل سبحانه مع علمه انه لا يقتل لكونه مجوزا عند المخاطبين .

( انقلبتم على أعقابكم ) أي ترجعون إلى دينكم الأول يقال لكل من رجع إلى ما كان عليه نكص على عقبيه ورجع وراءه . والحاصل أن موته صلى الله عليه وسلم او قتله لا يوجب ضعفا في دينه ولا الرجوع عنه بدليل موت سائر الأنبياء قبله ، وان أتباعهم ثبتوا على دين أنبيائهم بعد موتهم ، فلا ينبغي منكم الانقلاب والارتداد حينئذ ، لأن محمدا عبد مبلغ لا معبود ، وقد بلغكم والمعبود باق فلا وجه لرجوعكم عن الدين الحق ولو مات من بلغكم إياه .

( ومن ينقلب على عقبيه ) بإدباره عن القتال او بارتداده عن الإسلام ( فلن يضر الله شيئا ) وإنما يضر نفسه ( وسيجزي الله الشاكرين ) أي الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ومن امتثل ما امر به فقد شكر النعمة التي انعم الله بها عليه .

وقال علي :الشاكرين الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه فكان علي رضي الله عنه يقول : كان أبو بكر رضي الله عنه أمير الشاكرين وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله تعالى ، وعنه انه كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت{[380]} .


[379]:ابن جرير 7/257.
[380]:القرطبي 4/222.