مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (4)

وهو ما بين الثلاث إلى العشرة . قيل : احتربت فارس والروم بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى ابرويز فبلغ الخبر مكة فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب ، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت . فقال لهم أبو بكر : والله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين ، فقال له أبيّ بن خلف : كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين ، فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام « زد في الخطر وأبعد في الأجل » فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين . ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ فقال عليه السلام : « تصدق به » وهذه آية بينة على صحة نبوته وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار . عن قتادة ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أن العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة .

{ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل : من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعني أن كونهم مغلوبين أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه { وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } [ آل عمران : 140 ] { وَيَوْمَئِذٍ } ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد الله من غلبتهم { يَفْرَحُ المؤمنون بنصر الله }