البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (4)

ففي غلبت ، بضم الغين ، يكون مضافاً للمفعول ؛ وبالفتح ، يكون مضافاً للفاعل ، ويكون المعنى : سيغلبهم المسلمون في بضع سنين ، عند انقضاء هذه المدة التي هي أقصى مدلول البضع .

أخذ المسلمون في جهاد الروم ، وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يحكي عن أبي الحكم بن برجان أنه استخرج من قوله تعالى : { الم ، غلبت الروم } إلى قوله : { في بضع سنين } ، افتتاح المسلمين بيت المقدس ، معيناً زمانه ويومه ، وكان إذ ذاك بيت المقدس قد غلبت عليه النصارى ، وأن ابن برجان مات قبل الوقت الذي كان عينه للفتح ، وأنه بعد موته بزمان افتتحه المسلمون في الوقت الذي عينه أبو الحكم .

وكان أبو جعفر يعتقد في أبي الحكم هذا ، أنه كان يطلع على أشياء من المغيبات يستخرجها من كتاب الله .

{ لله الأمر } : أي إنفاذ الأحكام وتصريفها على ما يريد .

وقرأ الجمهور : { من قبل ومن بعد } ، بضمهما : أي من قبل غلبة الروم ومن بعدها .

ولما كانا مضافين إلى معرفة ، وحذفت بنيا على الضم ، والكلام على ذلك مذكور في علم النحو .

وقرأ أبو السمال ، والجحدري ، وعون العقيلي : من قبل ومن بعد ، بالكسر والتنوين فيهما .

قال الزمخشري : على الجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه ، كأنه قيل : قبلاً وبعداً ، بمعنى أولاً وآخراً . انتهى .

وقال ابن عطية : ومن العرب من يقول : من قبل ومن بعد ، بالخفض والتنوين .

قال الفراء : ويجوز ترك التنوين ، فيبقى كما هو في الإضافة ، وإن حذف المضاف . انتهى .

وأنكر النحاس ما قاله الفراء ورده ، وقال الفراء في كتابه : ( في القرآن ) أشياء كثيرة من الغلط ، منها : أنه زعم أنه يجوز من قبل ومن بعد ، وإنما يجوز من قبل ومن بعد على أنهما نكرتان ، والمعنى : من متقدم ومن متأخر .

وحكى الكسائي عن بعض بني أسد : لله الأمر من قبل ومن بعد الأول مخفوض منوّن ، والثاني مضموم بلا تنوين .

والظاهر أن يومئذ ظرف { يفرح المؤمنون } ، وعلى هذا المعنى فسره المفسرون .

وقيل : { ويومئذ } عطف على : { من قبل ومن بعد } ، كأنه حصر الأزمنة الثلاثة : الماضي والمستقبل والحال ، ثم ابتدأ الإخبار بفرح المؤمنين بالنصر .